• الخطوة الثالثة: أن تلوح قرائنُ تدل على أن الجرح والتعديل قد صدر من قائله بغير إنصاف، بسبب غُلُوِّ المحبّةِ أو غُلُوِّ العداوة، فيكون حُكمًا لاغيًا لا وزن له.
حيث إن أئمة الجرح والتعديل وإن كانوا أئمةَ الورعِ والنزاهةِ وأعظمَ الناس إنصافًا؛ إلا أنهم بشرٌ ليسوا بمعصومين، وقد يستولي الهوى على القلب، ويلتبس الحق بالباطل في النفس، فتجتمع شهوةٌ وشُبهة: فتجعل الشهوةُ الشبهةَ دليلا، وتجعل الشبهةُ الشهوةَ حميةً للدين وصدعًا بالحق، وحينها:
- لا تكون الشهوةُ شهوةً خالصةً، والشهوةُ الخالصة هي التي ما أسهلَ أن يفضحها الورعُ، فيحمي من الوقوع فيها الوازعُ الإيمانيُّ لدى العدول.
- ولا تكون الشُّبهةُ شُبهةً شاذّةً منفردة، والشبهةُ الشاذّةُ هي التي ما أسرع أن ينفيها العقلُ عن الدليل، ويُدرك أنها أجنبيةٌ عنه تماما، فيُقصيها العقلُ عن ساحة النظر البرهاني.
وإنما تكون مزيجًا مختلطًا بين هذا وهذا: شُبهة بشهوة، في ساعةِ ضعفٍ بشرية، فتزلّ حينئذٍ القدم الثابتة، وتتزلزل النفس المطمئنّة. والإنسانُ ضعيف، ما أسرع ما يميل به هوى، وما أقرب ما تخطفه شبهة! مهما تَحَفّظَ بالتقوى، واعتصم بالإيمان، فالزلّةُ البشرية جزءٌ من تكوينه، لا ينجو منها إلا من عصمه الله تعالى.
ولئن قيل «حُبُّكَ الشيء: يُعْمي ويُصِمّ»، فإن بُغْضَك الشيء