فإن أعقبت ذلك توبةٌ ظاهرةٌ تدل على انصِلاح حاله وقوة إيمانه، حُكم له بالعدالة وقُبل (من هذه الجهة) حديثُه؛ إلا في الكذب على النبي ﷺ، فمن ثبت عنه الكذب على النبي ﷺ وتاب منه، تبقى روايته مردودة، وأما توبته بينه وبين الله تعالى فمقبولةٌ إن صدقت.
* * *
سببُ اشتراطِ العَدَالة:
هو الاطمئنان إلى أن الراوي (أو الشاهد) لديه من التقوى والورع ما يمنعه عن تَعَمُّدِ الكذب. إذْ بغير قوّة مراقبة الله تعالى، واستحضار عِلْمِه سبحانه بكل شيء، مع خشية عقابه = لا يردعُ الإنسانَ عن الكذب شيءٌ، إذا كان له في الكذب مصلحةٌ، واطمأنّ إلى عدم افتضاحِهِ به عند الناس.
وهؤلاء العرب في الجاهلية كانوا من أَتْرَكِ الأُمم للكذب أَنَفَةً وتَكَرُّمًا؛ مع ذلك فهذا أبو سفيان بن حرب ﵁، لما سأله هرقل عن النبي ﷺ، وجعل رِفاقًا لأبي سفيان خلفَ ظَهْرِهِ شُهودًا على ما يُجيب به، ليصدّقوه أو يكذِّبوه فيما يقول، وأبو سفيان حينها على دين قومه (لم يُسلم بعدُ) = فيقول أبو سفيان (كما في
(١) فلا يُشترطُ الإصرارُ على الصغائر للتفسيق بالصغائر، وليس الإصرارُ على الصغائر مطلقًا من المفسِّقات.