حديث الراوي، وهي أشق من الأولى وأصعب. ولا يمكن ذلك إلا في حالة ما إذا كان الراوي مقلًّا، ويُنصّ على إقلاله، أو أَجِدُ ما يشهد لإقلاله من الحديث، بل قد يَنصُّ العلماءُ على عدد ما روى؛ ثم أقف على أحاديثه، وأستقصي في البحث؛ فيمكن حينها للعالم المتأخر صاحب الفهم الدقيق والممارسة الطويلة أن يحكم بالقبول إذا ظهرت له علاماتُه. خاصة إن وجد قرائن تؤيّد نتيجة سَبرِه هذا، من مثل كون الراوي من التابعين، أو روى عنه جمع، أو وَجَدَ قرائن تشهد لقبول المتقدمين له، مثل أن يوجد حديثُه في بعض أمهات السنة التي الأصل في أحاديثها الانتقاء، ك (السنن) لأبي داود (دون أن يُصَحَّحَ له؛ لأن التصحيح توثيقٌ ضمني، لا يحتاج معه الراوي إلى هذا السَّبر غالبًا).
أما الرُّواة المكثرون: فلو قَدَّرْنا عدمَ وجود جرح أو تعديل فيهم، فلا يمكن - مع كثرة حديثهم وانتشاره - أن يُحكم عليهم بالقبول؛ إذ يُحتمل - احتمالًا قويًا - أن يكون فيما سيفوت المتأخر (حتمًا) مِن حديثهم ما يَسْقُطُ به حديثُهم (ورُبَّ حديثٍ واحد أسقط مائة ألف حديث).
ولا يعني ذلك أن سَبْرَ المتأخرين من المتأهلين لذلك عديمُ الفائدة إلا في هاتين الحالتين، بل هو مفيدٌ حتى في غير هاتين الحالتين.
فالراوي الذي اشتدّ فيه الاختلاف جرحًا وتعديلًا، يمكن الاستفادة من سَبْرِ حديثه - سواءٌ أكان مكثرًا أم مقلًّا، وسواءٌ