للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أعمُّ من أسباب الفسق؛ فالمروءة بمعناها العام: يكون فيها كل مُفسِّقٍ خارمًا للمروءة (١)، ولا يكون كل خارمٍ للمروءة مفسِّقًا بحكمٍ منصوص (٢).

فللمروءة إطلاقان: إطلاقٌ أخصُّ من إطلاق، والمراد هنا الأخصّ.

وإنما وجب اشتراط المروءة بالمعنى الخاص: للتأكيد على إخراج مَن يَغلِب على الظن أنه ليس بعدل، وإن لم يثبت عليه يقينًا أنه فاسق؛ وذلك لإتيانه بما الغالبُ على مَن يأتيه (عُرْفًا) بأنه من أهل الفسق أو من أهل السَّفَهِ (نَقْصِ العقل)، ونحن مطالبون عَقْلًا باعتبارِ غلبةِ الظنِّ والحكمِ بها، إذا لم يُعارِضْها يقينٌ، أو ظنٌّ أقوى منها في غلبةِ الظن.

ويظهر من كل ذلك: أن اشتراط المروءة إنما هو في الحقيقة للتثبُّتِ من سلامة العقل والدين، من خلال التَّنزُّهِ عن قوادحَ ظنيةٍ فيهما: فهي كفعلٍ مباحٍ أو ذنبٍ من الصغائر لكنهما من خصائص أهل الفسق أو السَّفَهِ عُرْفًا، فيغلب على الظن أن فاعله منهم.

فإذا علمتَ ذلك، تَبيَّنَ أنّ مَن أتى قادحًا ظنيًّا مما يقدح في المروءة غالبًا، لكننا نعلم يقينًا أنه سالمُ العقلِ والدِّين: فيجب أن نُقدِّمَ حينها يقينَنَا بعدالته على ظنِّنَا بعدمها، وأن نُرجِّحَ الحكمَ المقطوعَ بطريقِهِ على الحكم المظنونِ طريقُهُ: وهو العلامات


(١) فشارب الخمر ومرتكب الكبائر: فاسق، ومخروم المروءة أيضًا.
(٢) فمن فعل مباحا من سمات أهل السَّفَه وقلة العقل: سيكون مخرومَ المروءة، ولكنه لا يُفسَّق.

<<  <   >  >>