وقوله تعالى:{وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} تنبيه لهم على أن تركهم ما تدعوهم إليه أنفسهم من خيانة الأمانات لأجل الحفاظ على أموالهم، وإسعاد أولادهم عند الله ما هو خير منه وهو الجنة دار السلام. فإن تركوا ما تدعوا إليه نفوسهم إلى ما يدعوا إليه ربهم سبحانه وتعالى، فإن الله يجزيهم بأعظم أجر وأحسن جزاء لأنه تعالى عنده الأجر العظيم يعطيه من جاهد نفسه وصبر على طاعة ربه عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يخن الله ورسوله، ولا أمانته وقد يكون الأجر في الدنيا بالرزق الحسن، والعيش الرغد زيادة على الجنة ونعيمها في الدار الآخرة، إذ ورد أن العبد إذا ترك شيئا من أمور دنياه لله عوضه الله خيرا منه في دنياه وأخراه.
ويحسن هنا أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد أن تذكر ما روى عبد الرازق عن الزهري في سبب نزول هذا النداء الكريم؛ إذ قال:" إنها نزلت في أبى لبابة بن عبد المنذر لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بنى قريظة لينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم محاصرون من قبل المسلمين لنقضهم عهدهم وخيانتهم له. فلما وصل إليهم استشاروه في أمرهم فأشار إليهم بذلك أي بقبول حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا انه أشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح أي النزول على حكم رسول الله معناه أنه يأمر بذبحهم ثم فطن فعلم أنه بإشارته بيده إلى حلقه قد خان ورسوله. فعاد من ديارهم وحلف أن لا يذوق ذواقا حتى يموت، أو يتوب الله عليه. وانطلق إلى مسجد رسول صلى الله عليه وسلم فربط نفسه في ساريه من سواريه وتعرف الأن بسارية أبى لبابة. فمكث تسعة أيام، حتى كان يخر مغشيا عليه من الجهد فأنزل الله تعالى توبته على رسوله فجاءه الناس يبشرونه بتوبة الله تعالى عليه، وأرادوا أن يحلوه من رباطه بالسارية فحلف لا يحله منها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، فجاء رسول الله الرءوف بالمؤمنين الرحيم بهم فحله: فقال يا رسول الله إنى كنت نذرت أن انخلع من مالي صدقة. فقال: " يجزئك الثلث أن تصدق به ". ففعل رضى الله عنه ". فهذه الحادثة التي نزلت فيها الآية تعتبر سببا في نزولها وهو كذلك إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فالله عز وجل نادى المؤمنين ونهاهم عن خيانة الله وخيانة الرسول فيما يتعلق به تعالى وبرسوله من طاعتهما في الأمر والنهى في الظاهر والباطن, وفيما يتعلق بسائر الأمانات إذ قال عز من قائل:{لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} أي ولا