للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعمل المرء عملا صالحا فيرائي به غير الله من أجل أن يشكر عليه، أو من أجل أن يدفع عنه المذمة أو اللوم والعتاب. كما أن الصدقات تبطل بالمن لقوله تعالى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} ، والمن هو ذكر الصدقة للمتصدق عليه وتكرار ذلك عليه، والأذى قد يكون بلوم المتصدق عليه أو تعييره بقبح أو لفظ سيئ ومن مبطلات العمل ارتكاب كبائر الإثم والفواحش ومعنى إبطالها أن السيئات إذا غشت النفس وأحاطت بالقلب حجبت نور تلك الصالحات ذات الحسنات السابقة ولم يبق لها نور في النفس، فقد روى عن الحسن البصري وعن الزهري أن إحباط الأعمال الصالحة يكون بكبائر الذنوب إذ قلا: لا تبطلوا أعمالكم بالمعاصي. وليس معنى إبطالها إحباطها، فإحباط العمل لا يكون إلا بالشرك والكفر، لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ١. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ٢ {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} على انه من دخل في عبادة ينبغي أن يتمها ولا يخرج منها نافلة كانت أو فريضة فمن دخل في صلاة نافلة فليتمها. ومن شرع في طواف فليتمه، ومن دخل في صيام فليتمه، ومن أحرم بحج أو عمرة فليتمها ومن ائتم بإمام فليتم صلاته ولا يخرج عنه. لكنه لا على سبيل الإلزام والوجوب بل على سبيل الندب والاستحباب،. وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي بالله ورسوله {وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي عن الإسلام، والدخول فيه بأي سبب من الأسباب، {ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} أي لم يتوبوا حتى ماتوا، فهؤلاء حكم الله تعالى بعدم المغفرة لهم إذ قال عز من قائل: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} أي كفرهم وصدهم عن سبيل الله، ولو كانوا قبل كفرهم وصدهم فعلوا كل بر وخير وعبدوا الله بكل ما شرع من أنواع العبادات؛ لأن موتهم على أكبر إثم وأقبح جريمة وهما الكفر بالله ولقائه وشرعه وصدهم غيرهم بوسائل الصد عن سبيل الله، فقد تكون الوسائل قتالا وضربا وتجريحا وقد تكون طعنا في الدين وتحريفا له، وتقبيحا فيه حتى يصرفوا الناس عنه. ويدخل في هذا الوعيد بدون شك اليهود والنصارى إذ حملوا راية الصد عن الإسلام والصرف عنه وبذلوا أموالا وجهودا لا حد لها. والعياذ بالله فمن مات منهم على ذلك فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين.

وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والخمد لله رب العالمين.


١ سورة الزمر: ٦٥
٢ سورة المائدة: ٥

<<  <   >  >>