ولا يمنع إلا لحكمة عالية تدور على مصالح عباده المؤمنين، وبعد هذا النهى عما أحل الله تعالى لعباده المؤمنين، وهم منهم وبينهم فقد ورد أنهم عبد الله بن مسعود وعثمان بن مضعون وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهم أجميعين؛ خاطبهم الحق تبارك وتعالى ناهيا لهم عن الاعتداء وهو مجاوزة الحد المحدود كتحريم الحلال، أو تحليل الحرام، ومن الاعتداء الإسراف فى الأكل والشرب والجماع وفى اللباس وفى غيرها لقوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} ١ والإسراف هو مجاوزة النافع إلى الضار والحق إلى الباطل، والمسعد إلى المشقي فقال تعالى:{وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} فكيف ترضون لأنفسكم بغض الله لكم وعدم محبته إياكم وأنتم ما حرمتم على أنفسكم ما حرمتم إلا طلبا لحب الله تعالى ورضاه، وهروبا من بغضه وعدائه. واعلم أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أبان وأفاد في هذا الباب فلتستمع إلى ما قاله في هذا الشأن:
١- كلوا وتصدقوا والبسوا في غير الإسراف ولا مخيلة؛ المخيلة من الخيلاء وهو الكبر والعجب.
٢-وقال بن عباس في رواية البخاري: كل ما شئت وألبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة.
٣-كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا إسراف فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده.
٤-عليكم بثياب البياض فالبسوها فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم.
٥- قال بعض السلف: جمع الله الطب كله في نصف آية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} .
وقوله تعالى في الآية رقم ٨٨:{وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} إنه بعد أن نهاهم عما حرموا على أنفسهم من النساء والطعام والمنام واللباس، أيضا أمرهم أمر إباحة ورحمة وإرشاد فقال:{وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} أي من الحلال لا من الحرام فالحرام لا يكون رزقا إلا في ضرورة الخوف من الموت كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير. وقوله:{حَلالاً} يفيد أن