الصفات والتقاليد والعادات التي نختص بها ويجب أن نحافظ عليها، ثم الاختلاف حول المعيار الذي يميز المحاسن من المساوئ - ص ١٥١). فالكاتب هنا ساخط أشد السخط على المحافظين. ويسره جداً أن عددهم يتناقض بيننا اليوم، بل هو ساخط على المعتدلين الذين يدعون إلى التمييز بين الضار والنافع, لأنه يريد فيما يبدو أن ننقل الحضارة الغربية (خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يَحُبُّ منها وما يكره، وما يحُمدَ وما يعاب) كما يقول صِنْوُه طه حسين في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) في الفقرة ٩ من كتابه. ومن الواضح أن هذا التصور الخطر لاقتباس حضارة الغرب ناشئ من عدم التفريق بين العلم والثقافة.
فالعلم - والمقصود به في الاصلاح الأوروبي (Science) هو الرياضة والعلوم التجريبية - يتصل بالملموس المحسوس الذي أثبتته التجربة وتستطيع أن تعيد إثباته في كل زمان ومكان، أو هو يتصل بالمنطق العقلي الذي تشترك كل العقول البشرية في إدراكه على وجه القطع واليقين مثل علوم الرياضة. وكلها مما يشترك في إدراك حقائقه كل الناس بقدرٍ واحد لا خلاف فيه، ويمكن إعادة تجاربه ومراجعتها والاستيثاق من صحتها والانتفاع بنتائج تطبيقها على اختلاف الأزمنة والأمكنة. أما الثقافة فهي تختلف باختلاف الأجناس والبيئات والأديان حسب حكمة الله سبحانه، الذي جعل لكل أمة مَنْسَكاً هم ناسكوه، والذي جعل لكل جماعة شرعةً ومنهاجاً، والذي جعل الناس شعوباً وقبائل ليتنافسوا في الخير وليتبادلوا العلوم والمعارف، والذي جعلهم أمماً ولو شاء لجعلهم أمة واحدة. والثقافة لا تتصل بالمحسوس اللموس أو المعقول المشترك كما هو الشأن في العلم, لأن بعض عناصرها يتصل بقِيَم الخير والشر، والجمال والقبح، والحق والباطل، وهي جميعاً تعتمد على ما وراء المادة من الغيب الذي لا تتفق عليه العقول ولا تدركه الأفهام ولا تشمله التجربة ولا يتطاول إليه الفكر. فهناك خلاف واسع في تقدير الخير والشر بين الكافر الذي يقول:(ما هي إلا حياتُنا الدنيا نموت ونَحْيا وما يهُلِكنا إلا الدهر) وبين المؤمن الذي يراقب في أعماله ثواب الله سبحانه وعقابه في الدار الآخرة. فبينما يرى الأول أن حرمان النفس مما تشتهيه - كلِّ ما تشتهيه - ضرب