قادراً على استخدام آلة تعادل قوتها ٢٤٠ من العبيد، إذا ظل هو نفسه خاملاً بليداً عاجزاً عن التفكير الذاتي وعن النقد، لا يستطيع تمييز الأخبار الصحيحة من الكاذبة، وينقاد إلى الِإيحاء والتضليل ولا يسيطر على أهوائه ونزعاته البدائية- ص ١٦٥)، والدين هو المقصود بكل هذه الإِشارات الأخيرة. ولست أدري إلى أي شيء قد استند الكاتب فيما يزعمه من أننا لا نستطيع الاستفادة من تجارب الغرب في التفوق الصناعي الآلي إلا إذا نقلنا ثقافته، أي أننا لا نستطيع - في زعمه ووهمه - أن ننقل الصناعة وحدها دون الإِلحاد والمادية والدعارة والانحلال التي تنطوي عليها حضارة الغرب اليوم، والتي يضج منها عقلاؤه ومصلحوه، والتي ستنتهي حتمًا إلى زوال أصحاب هذه الحضارة في القريب العاجل. هذا زعم عجيب، هو مجرد ادِّعاء لا يقوم عليه دليل، بل إن ألف دليل ودليل من الواقع ومن التاريخ ومن العقل يقوم على عكسه. وإذا كان هذا الكاتب الذي ينطق بلسان ببغاء لا يدرك أن ثقافة الغرب ومدنيته التي يطالبنا بنقلها. قد دخلها من الفساد ما هو خليق أن يجر الغرب كله إلى كارثة تقضي عليه، وتُلحقه بالبائدين ممن حق عليهم القول فدُمِّروا تدميراً، وإذا كان هو وأضرابه لايصدِّقون إلا ما يجيء من الغرب، ولا يرون صواباً إلا ما رآه كُتَّاب الغرب، فليقرأ ما كتبه المؤرخ الإِنجليزي المعاصر آرنولد توينبي (Arnold Toynbee) في كتابه (الحضارة في الميزان " Civillization on Trial ") وفي كتابه (الحضارة والغرب " and the west Civillization") ليرى حكمه على حضارة قومه بأنها في النزع الأخير، وأنها تمر بمثل المرحلة التي سبقت سقوط الدولة الرومانية.
وكاتب المقال لا يعترف بأن لنا عادات خاصة ومقومات تميزنا عن غيرنا بوصفنا أمة من الأمم, لأنه يتساءل (هل يكفي أن تستمر بعض التقاليد والعادات مدة عصر أو عشرة عصور حتى تصبح جزءاً لا ينفصل من تراثنا ينبغي التمسك به؟ ص ١٥٢). والواقع أن هذه التقاليد التي يدعو الكاتب وشيعته إلى نبذها وهدمها هي التي تمسك المجتمع وتشده, لأن سلطانها فوق سلطان القانون. والدليل على ذلك أن كثيراً من الناس يرتكبون جرائم القتل التي تعرِّض رقابهم لحبل المشنقة، ولا يبالون سلطان القانون، وذلك تحت ضغط التقاليد وسلطانها القاهر، فهم يرون عقوبة القانون التي تهدد حياتهم