أهون من العار الذي يلحقهم من خرق التقاليد. هذا السلطان القاهر للتقاليد هو الذي يمسك المجتمع ويشد بعضه إلى بعض, لأنه يكوِّن أشكالًا ثابتة من الصلات والروابط، يلتقي عندها الناس على اختلاف درجاتهم وطبقاتهم وأنواعهم. ومن المسلم به عند كل الباحثين - حتى الماديين منهم - أن أعمق التقاليد جذوراً وأعظمها سلطاناً هو ما كان مستمداً من الدين. فإِذا هدمنا هذه التقاليد على ما يريد الكاتب وأمثاله، فأي شيء يغني غناءها ويقوم مقامها؟ وأية سلطة تمسك المجتمع عند ذلك وتمنعه أن يتفتت ثم يزول وينهار؟.
لا يعترف كاتب المقال بغير الجانب المادي من الحياة، فنظرته مادية خالصة، واقتباساته كلها من مفكري الغرب المعروفين بنزعتهم المادية. وبعض هؤلاء الذين يقتبس منهم - مثل نيتشه - قد اعترف اليهود في خطتهم المشهورة ببروتوكلات صهيون، بأنهم هم الذين نشروا آراءهم وروجوها بين الناس لإِفساد عقائد غير اليهود ومجتمعاتهمِ. لا يرى كاتب المقال الأديان إلا أوهاماً وخرافات وأساطير. ولا يمجد شيئاً إلا العلم المادي الحديث الذي أوجد عصر الآلة الذي نعيش فيه. فإِليه يرجع الفضل - حسب ما يتوهم - (في تحرير البشرية من الضلال والأوهام والخوف ... ولا شك في أن أبرز أثر له هو تغييره لتفكير الإنسان. فإِن طريقة البحث العلمي جعلتنا نؤمن بالعقل، ولا نتقيد إلا بالواقع الذي تدركه الحواس ولا نقبل بشيء (كذا)(١) لا تؤيده التجربة. وتقتضي هذه الطريقة التحرر من العقائد الغيبية السحرية، ومن الأوهام والأحكام السابقة. وهي تفرض علينا المشاهدة الموضوعية، والملاحظة المضبوطة والقياس الدقيق والتجرد من العواطف والتمسك بالحياد - ص ١٦٤). وواضح من كلامه هذا أنه لا يَعتدُّ بالدين كله, لأنه يقوم على الايمان بالغيب، وهو لا يؤمن إلا بالمشاهد الملموس، ويرى أن ذلك من مزايا العلم التجريبي الحديث الذي حررنا - حسب زعمه - من الضلال والأوهام والخوف.
(١) يريد أن يقول (ولا نقبل شيئاً لا تؤيده التجربة). وإقحام حرف الجر على العبارة من فساد ذوق الكاتب. وهو دليل على أنه غريب بين قومه في تفكيره وفي لغته وتعبيره على السواء