فالأديان كلها عنده ضلالات وأوهام، كان الناس يخضعون لما تخوفهم به من العذاب، ثم تحرروا من هذا الخوف، ولم يعودوا يخافون العذاب الموهوم الذي زعمته هذه الأديان. هل هناك هدم أصرح من هذا؟! وهل لا يعرف المسكين أن العلم التجريبي محدود الميدان والمدى لا يتناول إلَّا المدرك المحسوس؟ والمدرك المحسوس أقل بكثير مما لا يخضع لحسنا وإدراكنا، بل هو لا يقاس إليه ويعتبر كأنه ليس شيئاً مذكوراً إلى جانبه وقد أدرك العلم الحديث نفسُه - الذي يتمسح به الكاتب - ذلك، فعرف أن الموجات التي تدخل في مدى إدراكنا الحسي ليست إلَّا شيئاً ضئيلاً تافهاً بالقياس إلى المعروف منها فضلاً عن المجهول. ومن المعروف أن الكلاب والخيل وكثيراً من الحيوان - الأليف منه والوحشي - تدرك ما لا ندركه. ولا نزال نعتمد على الكلاب خاصة ونستعين بها مستغلين اتساع مدى هذا الإِدراك فيها.
ولا يزال علماء الفلك يقفون مشدوهين أمام ذلك الفضاء الغامض الذي لا يعرفون مقاييسه وأبعاده إلَّا ظناً (ورجماً بالغيب)، كلما زادوه تأملًا انقلب إليهم البصر (خاسئاً وهو حسير) بل إن بعض ما يستنتجونه في هذا الباب أدعى إلى الحيرة من الجهل به. فهم يقدرون أن بعض النجوم - أركتورس مثلاً - تبعد عنا ثلاثين سنة ضوئية. ومعنى هذا أن ذلك النجم الذي نراه الآن لا نراه كما هو الآن، ولكنا نراه كما كان منذ ثلاثين سنة, لأن الشعاع الضوئي الذي يصل إلى أبصارنا منه الآن هو الذي انبعث منه قبل ثلاثين سنة. ومعنى هذا أيضاً أن من الجائز أن يكون ذلك النجمُ الذي يبدو لأنظارنا الآن غيرَ موجود الآن في حقيقة الأمر، الآن رؤيتنا له لا تُثبِت إلَّا أنه كان موجوداً عندما انبعثت منه الأشعة الضوئية التي وصلت إلى عيوننا. وهذه لم تنبعث إلَّا منذ ثلاثين سنة. وما ينبعث منه الآن لا يصل إلى أبصارنا إلا بعد ثلاثين سنة، أي أنه لا يمكن التأكد من أن ذلك النجم موجود الآن إلَّا بعد ثلاثين سنة). ويقدر الفلكيون أن بعض المجرات يبعد عنا ملايين السنين الضوئية، ومئات الملايين (١) أليس هذا العلم أدعى إلى الحيرة من الجهل،
(١) (العالم وأنيشتين) تأليف لنكولن بارنت وترجمة البرقوقي ص ٥٢، (مع الله في السماء) تأليف الدكتور أحمد زكي ص ٢٥٢.