وتروض نفسها على أن ترتفع إلى مستوى شرائع الغرب, لأنها في زعم المؤلف لم تبلغ هذا المستوى. وقَصْدُ الكاتب إلى تطوير الشريعة الإِسلامية واضح في مقاله هذا كل الوضوح. وهو يقصد بتطوير الشريعة الإِسلامية جعلها ملائمة لنظم حياتنا ولأنماطها المنقولة عن الغرب المسيحي، أو الغرب اللاديني على الأصح. فهو يريد أن يشكل الشريعة الإِسلامية بشكل هذه الحياة، بدل أن يشكل الحياة بشكل الشريعة، أي أنه يحكِّم هذه الأنماط الغربية في الشريعة بدلاً من أن يحكِّم الشريعة في اختيار ما يلائمنا من هذه الأنماط. أو بعبارة أخرى هو يعرض الشريعة على واقع الحياة، ولا يعرض واقع الحياة على الشريعة. وهو مع ذلك لا يميز بين الشريعة الإِسلامية المنزلة من عند الله وبين القانون الغربي الذي صنعته المصالح والأهواء، بل الذي صنعته اليهودية العالمية في بعض الأحيان، كما هو الشأن في القانون الفرنسي الذي استمد منه القانون المصري بخاصة، لأن هذا القانون ثمرة من ثمار الثورة الفرنسية اليهودية التي أصبحت فرنسا من وقتها دولة لا دينية من الناحية الرسمية على الأقل. وما وجه المقارنة بين قانون صنعه الِإنسان وبين قانون منزل من عند الله العلم الخبير؟.
إن الذي يعتريه شك في أن الشريعة الإِسلامية - كما هي في القرآن الكريم وكما بينتها السنة الشريفة - منزلة من عند الله هو كافر. والذي يؤمن بأنها منزلة من عند الله لا يعتريه شك في صلاحيتها لكل زمان ومكان, لأن الله سبحانه وتعالي يعلم الماضي والحاضر والمستقبل، قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عدداً، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، بذلك وصف نفسه - سبحانه - في محكم كتابه، وبذلك يؤمن المسلمون.
والذي يهدف إليه السنهوري هو شر الحلول, لأن الذي يفعله هو تبديل الشريعة الإِسلامية. ولا شك أن تفاعل الشريعة الإِسلامية السماوية مع شرائع الغرب الوضعية هو شر مما كان حادثاً من استعارة القانون الغربي كله أو بعضه. لأن من الممكن التخلص من الدخيل في هذه الحالة. أما في حالة الاندماج والتفاعل فإِدراك الحدود بينهما صعب، وتخليص الشريعة الإِسلامية مما دخلها من أسباب الزيغ والانحراف يكاد يتعذر بعد أن تتغلغل الروح الغربية