مثل هذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن مسلم يعتقد أن الشريعة الإِسلامية منزلة من عند الله، وأنها حدود الله، لا يتعداها إلَّا كافر ظالم لنفسه.
ثم يأخذ الكاتب في بيان ما يتضمنه التقاء القانون الغربي بالفقه الإِسلامي من وجوه واحتمالات، ويخرج القارئ من كلامه بأن ما يسميه (اشتقاق القانون من الشريعة الإِسلامية) ليس في حقيقة الأمر إلَّا إخضاع الشريعة الإِسلامية لأهواء العصر وشهواته وهو ما يسميه (مدنية العصر). وخلاصة ما يقوله هنا أنه لا يأخذ بحكم الشرع إلَّا حيث يتفق تماماً مع روح القوانين الدنية المستجلبة من أوروبا. ثم هو يُعدِّل الحكم الشرعي أو يلغيه ويسقطه حسب مبلغ تعارضه مع هذه القوانين الغربية الأصول، التي هي في زعمه (أصلح للعصر) أو (تجاري مدنية العصر) أو (تساير روح العصر)، حسب تعبيره في مواضع مختلفة من هذا المقال.
وتطوير الفقه الإِسلامي الذي يدعو إليه الكاتب، أو تبديله على الأصح، هو تطوير وتبديل لا يقف عند حد حسب اعترافه هو نفسه حيث يقول:(فالهدف الذي نرمي إليه هو تطوير الفقه الإِسلامي وفقاً لأصول صناعته، حتى نشتق. منه قانوناً حديثاً يصلح للعصر الذي نعيش فيه. فإِذا استخلصنا هذا القانون في نهاية الدرس وأبقيناه دائم التطوِر حتى يجاري مدنيات العصور المتعاقبة، فقد تكون أحكامه في جزء منها، قَلَّ أو كثر مطابقة لأحكام القانون المدني العراقي أو لأحكام القانون المدني المصري أو لأحكام كل من القانونين .. إلخ ص ٢٨). والمهم في ذلك كله أن هذا التطور الدائم سوف ينتهي بذلك التشريع الإِسلامي المزعوم في المدى القريب أو البعيد إلى أن يصبح شيئاً مختلفاً عن الإِسلام الذي أنزل على نبينا عليه الصلاة والسلام اختلافاً تاماً، بل إنه لكذلك منذ بدء وضعه أو التفكير فيه كما هو ظاهر في هذا البحث.