العصابات من مزايا. ومن أخطر هذه الزايا أن الجهاز الحكومي - وهو يشبه الجيش النظامي - لا يستطيع توجيه الضربة القاضية إليهم. لذلك كان من أنجح الأساليب في مكافحتهم أن تدرس خططهم وأساليبهم في الكيد والدس وينبه الناس إليها. عند ذلك ينكشف الستر عن الذين يستمدون قوتهم من العمل في الظلام، ويجدون أنفسهم وقد غمرتهم الأضواء وكشفت أوكارهم وسراديبهم، ولا يجدون بداً من اللجوء إلى سلاحهم القديم الذي بدءوا به وهو سلاح الدعاية. وقد فشلوا فيه من قبل، وسيكون فشلهم في هذه المرة ساحقاً ماحقاً بعد افتضاح أمرهم, لأنهم يسبحون اليوم ضد تيار قوي غلَّاب، ترعاه عناية الله سبحانه، ويحفه توفيقه، ويمده مدده الذي لا ينفد وجنوده التي لا يعلمها إلّا هو. ذلك هو تيار النهضة العربية واليقظة الإِسلامية.
من أجل ذلك كتبت هذه الكلمات لجلة الأزهر، ثَم أعدت نشرها مجموعة وهذه الصفحات. كتبتها لألقي الأضواء على الذين يعملون في الظلام، وأكشف الستر عما يدبرون في الخفاء، ولأفضح دسائسهم التي يلقون عليها حجباً كثيفة من الرياء والنفاق، حين يندسون بين صفوف العاملين على بعث معالم شخصيتنا وإحياء شعائرنا وأشعرتنا، يتظاهرون بالغيرة على إسلامنا وعلى عروبتنا، حين تنطوي ضمائرهم على فساد العقيدة وحين يعملون لحساب العدو الذي يستعبدنا ولحساب الصهيونية الهدامة التي لا تريد أن تبقى على بناء قديم. هؤلاء هم أخطر الأعداء، وهم أول ما ينبغي البدء به في تطهير الحصون وتنظيف الدار, لأن الأعداء والمارقين ظاهر أمرهم لا يخفون، وهم خليقون أن ينفِّروا الناس، فهم كالمريض الظاهر يتحاشاه الناس ولا يقتربون منه. أما هؤلاء فهم كالريض الذي لا يظهر المرض على بدنه، فالمخالطون لا يحتاطون لأنفسهم في مخالطته. وأكثر ما تتعرض الشعوب للخطر من هذا الفريق في أطوار ثورتها ونهضتها, لأنها في هذا الطور تمر في دور انسلاخ تحاول أن تطهير نفسها فيه من الأوضار ومن النقائص، فيُلبِّس هذا الفريق من المنافقين والضالين والمضللين عليها أمرها، ويزينون لها الباطل زاعمين لها أنه هو سبيل النهضة، ويوهمونها أن كثيراً من عاداتها الصحيحة الأصيلة هي من