للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يهدم إمرسون الدين والتدين من جذوره تحت ستار الدعوة إلى الحرية وإلى استقلال الشخصية. وأما ول ديورانت فهو يهدمه عن طريق تجريح الرسل الأطهار وإثارة الغبار حول سيرهم. على أن الكاتبين كليهما يشتركان في هدم النبوات وإنزال الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه إلى مرتبة الفلاسفة والكتاب والمصلحين.

يستدرج إمرسون السذج من القراء وضعاف الإِيمان بالثناء على موسى وعيسى عليهما السلام، ولكنه يزعم لهم أن الدين يتجدد دائمًا، وأن الأنبياء كانوا ولا يزالون (ص ٦٩، ٧٠). ولذلك فهو يسمي المسيحية التي أنزلت على المسيح عليه السلام (المسيحية التاريخية - ص ٧١)، ويعد فيما يعدده من أخطائها أنها تهتم بشخص المسيح اهتماماً مبالغاً فيه، وأنها تبالغ كذلك في الاهتمام بالطقوس دون جوهر الروح. ومن أجل ذلك صار الناس في زعمه (يتحدثون عن الوحي كأنه قد أوحي به وانتهى من عهد قديم، كأن الله قد مات - ص ٧١ إلى ٧٤). ولا يزال هذا الصهيوني الهدام يستدرج قارئه حتى ينتهي به إلى النتيجة الخطيرة التي يريد أن يسوقه إليها، وهي هدم كل الديانات، باعتبار الوحي ظاهرة مألوفة تتكرر في كل زمان ومكان، وذلك حين يقول: (ومن واجبي أن أقول لكم إن الحاجة إلى إلهام جديد لم تكن في أي وقت من الأوقات أشد مما هي الآن ص ٧٥) وحين يقول بعد ذلك: (إن جمود الدين، والزعم أن عصر الإِلهام قد ولىّ، وأن الإِنجيل قد استغلق، والخوف من الحط من شخصية المسيح بتمثيله في صورة رجل، كل ذلك يدل في وضوح كاف على خطأ علمنا بالدين. وواجبُ العلم الصادق أن يرينا أن الله كائن اليوم، لا كان فيما مضى، وأنه يتكلم لا تكلم وانتهى- ص ٨٣). ما الفرق بين كلام هذا الرجل وبين كلام القسيس الأمريكي ميلر بروز في الكتاب الذي نشرته مؤسسة فرانكلين باسم "الثقافة الإِسلامية والحياة المعاصرة"؟ وما الفرق بينه وبين كلام القسيس الأمريكي الآخر هارولد سمث في ذلك الكتاب نفسه (ص ٤٧، ٧٤ (*)؟ ألا ترى أن واردات أمريكا تهدف جميعاً إلى زعزعة إيمان الناس بدياناتهم، وجعل المسلمين في هذه المنطقة


(*) يراجع مقال (الثقافة الإِسلامية والحياة العاصرة) في كتابتا (الإِسلام والحضارة الغربية).

<<  <   >  >>