ما في هذه الحواشي واقتنعوا به مرة فقد يهملونها وقد تستغويهم أباطيل الكتاب مرات. فما هي حاجتنا أصلاً إلى ترجمة مثل هذه المفتريات, أي فائدة تعود على العرب من نقل مثل هذا الكلام، حتى يَغُضُّوا الطرف عما فيه من الأذى؟ هل هذا مما يزيد العرب تماسكاً؟ أم هو مما يعينهم على النهوض؟ لماذا تُنقَل إلى لغتنا هذه الكتب التي تتكلم على نبينا عليه الصلاة والسلام بوصفه مصلحاً لا نبياً، وقد كان من آثار هذه الدعايات - ولا أقول البحوث - أن افتتن بها جماعة من المسلمين فاتخذوها نموذجاً لبحوثهم الإِسلامية، وظنوا أن تجردهم من إسلامهم شرط لسلامة البحث وعلميته، كما زعم لهم طه حسين في كتابه (الشعر الجاهلي) الذي سيق بسببه إلى المحاكمة. وقد أصبح التاريخ الإِسلامي، بل الدراسات الإِسلامية في كل فروعها, لا تدرَّس في الجامعات العربية الآن على اختلافها إلا على هذا النمط الفاسد المفسد الهدام. إن طه حسين الذي بدأ حياته العلمية متهمًا في دينه، يتسلق إلى الشهرة بمخالفة كل مقدس مصون وكل مقرر ثابت، حين كان الِإلحاد بدعَ العصر يجاهر به الملحدون، ويتظاهر به صغار النفوس والعقول من الأدعياء، هذا الرجل نفسه هو الذي يشرف على اختيار مثل هذا الكتب لتترجم على نفقة العرب، وليثقفَ بها ناشئتهم ويشدَّ بها أزر جامعتهم. وأي جامعة قد بقيت للعرب، ولجنتُهم الثقافية تؤذي إيمان المؤمنين مسلمهم ومسيحيهم؟ تؤذي المسيحيين مرة وتؤذي المسلمين مرتين، تؤذيهم في نبيهم عليه الصلاة والسلام مرة، وتؤذيهم في شخص المسيح الكريم عليه السلام مرة أخرى، ثم تعتذر لهم عن جرأة المؤلف على الإِسلام وافترائه على نبيه الكريم بجرأته على اليهودية والمسيحية وافترائه على رسوليهما الكريمين (ص ٣١). فهل سمع الناس عذراً أقبح من هذا العذر الذي لا يصدر إلا عن جهول؟ هل يُعتَذر عن رجل سب أبي بأنه لم يسب أبي وحده، ولكنه سب آبائي كلَّهم أجمعين؟!
وبعد، فإِني أستغفر الله سبحانه وتعالى لنفسي ولقارىء هذه المفتريات، فإِنما قصدت أن أضع بين يديه جسم الجريمة، ليرى رأي العين طه حسين يحمل أوزاره فوق ظهره، وليطالب الناس المسؤولين بكف أذاه إن كان فيهم بقية من غيرة على إسلامهم وعلى شخص نبيهم الطاهر الكريم.