إفريقية جزءاً لا يتجزأ منها. وقد زاحمتها إيطاليا وأسبانيا حيناً، ثم ورثتهم أمريكا جميعاً. فالكلام في هذا لا يقصد به إلا صرف العرب عن جامعتهم العربية وصِبْغَتِهم الإِسلامية. وأي رابطة بين فرنسا والمغرب سوى الدم المسفوك؟ وأي رابطة بين إيطاليا وطرابلس، وبين أسبانيا وريف مراكش، سوى ما يحفظه التاريخ من مظالمهم ومفاسدهم وما سفكوه من دماء الشهداء؟ وهل نسي العرب عمر المختار الشهيد؟
وأدَعُ ذلك كله مما لا سبيل إلى الخوض في تفاصيله, لأني لا أجد بين
يدي نصوص ما دار في هذه المؤتمرات من مناقشات, لأنتقل إلى الكلام عن
مؤتمر نشرت الجامعة العربية محاضر جلساته، وهو مؤتمر يتوسم القارئ الخير
في عنوانه ولا يكاد يخطر له سوء الظن فيه ببال، وذلك هو (المؤتمر الأول
للمجامع اللغوية العلمية - دمشق ١٩٥٦).
اجتمع في هذا المؤتمر مندوبون من المجامع اللغوية العلمية في مختلف بلاد العرب. فشهده وقد من مجمع اللغة العربية في القاهرة، ووفد من المجمع العلمي العراقي، ووفد من المجمع العلمي العربي في دمشق، كما شهده مراقبون من الدول العربية التي لم تؤسس فيها مجامع وهي الأردن والسعودية ولبنان وليبيا وتونس. وشهده مع ذلك كله وقد يمثل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ومندوب يمثل هيئة اليونسكو (شفيق شمَّاس).
واللغة العربية التِى بحث هذا المؤتمر شؤونها هي أقوى ما تقوم عليه الوحدة العربية من الروابط، وهي الرابطة التي ارتفعت حتى الآن فوق كل مراء. فقد مارى أعداء العروبة زمناً في أن العرب ينتمون إلى جنس واحد، فسمعنا أصوات المنكرين من الشعوبيين دعاة الجاهلية الأولى بين فرعونية وفينيقية وآشورية وبابلية. وماروا حيناً في ارتباط القومية العربية بالاسلام فسمعنا من يزعم أن هذه الصبغة تنفر غير المسلمين من العرب. وظلت رابطة اللغة بعد ذلك تسمو على كل مِراء، لا ينازع منازغ في أنها هي الرباط الأقوى بين العرب.
لذلك كان آخر ما يتوقعه القارئ في الكتاب الذي جمع ما ألقي في