هذا المؤتمر من بحوث أن يجد فيه ما يعين على توهين هذه الرابطة، أو تفريق المجتمعين عليها، من مثل الدعوات المريبة الهدامة إلى مسخ اللغة الفصحى أو تبديل قواعدها وخطها.
ولكن واقع الأمر جاء مختلفاً عما يتوقعه القارئ وما يرجوه، فامتلأ الكتاب في مواضع مختلفة بالدعوة إلى العامية، وإلى تبديل الخط العربي، وقواعد النحو والصرف والبلاغة. إذا أعوزك أن تجد ذلك سافراً صريحاً فستجده مستوراً خفياً يلبس زي الناصح الغيور، في مثل مقال أحمد حسن الزيات عضو مجمع القاهرة عن (مجمع اللغة العربية بين الفصحى والعامية: ص ٨١ - ٨٨)، ومقال علي حسن مندوب الأردن (بين العربية الفصحى والعامية ص ١٨١ - ١٨٤)، ومقال أحمد عبد السلام مندوب تونس (الفصحى والعامية: ٢٠٢ - ٢١١)، ومحاضرة منير العجلاني عضو مجمع دمشق عن (أثر اللغة في وحدة الأمة ٢١٧ - ٢٧٧)، واقتراح إبراهيم مصطفى في (كتابة الهمزة والألف اللينة: ١٦٠ - ١٦٥)، ومقاله عن (تيسير قواعد اللغة العربية ١٦٦ - ١٧١)، ومقال طه حسين مدير الإِدارة الثقافية عن (تيسير القواعد في اللغة: ٢٢٨ - ٢٤٠). ولم يشذ عن هؤلاء إلا صوت واحد بدا وسط هؤلاء غريباً في دعوته إلى التزام الفصحى في المدارس وفي القضاء وفي الصحافة وفي المجالس النيابية، منبهاً إلى أن هذا هو السبيل الوحيد إلى علاج ما يسمونه "مشكلة الفصحى والعامية". ذلك هو صوت الأستاذ عارف النكدي عضو وقد مجمع دمشق في بحثه (اللغة العربية بين الفصحى والعامية: ٨٩ - ١٠٤).
وسأعرض نماذج مما جاء في هذا الكتاب ليتأكد القارئ أني لا أتزيَّد في القول ولا أبالغ في التصوير ولا أتجنى على أحد. ثم أعود بعد ذلك إلى مناقشة بعض هذه الدعاوى العريضة التي انخدع بها كثير من السذج الغافلين. وقبل أن أشرع في ذلك أحب أن أبادر ببعث الطمأنينة إلى قلوب من أزعجتهم هذه المقدمة فأقول: إن المؤتمر قد رفض الأخذ بشيء من هذه الآراء المعوجة والدعوات السقيمة. ولكني أحب أيضاً أن أنبه إلى أن الداعين بهذه الدعوات قد استطاعوا أن ينفذوا إلى بعض قرارات المؤتمر، ويتركوا فيها أثراً من