سمومهم ومسحة من أمراضهم وأسقامهم تكشف عن الخطر الذي يتهدد حصوننا من داخلها.
يروي أحمد حسن الزيات قصة مجمع اللغة العربية في القاهرة بين الفصحى والعامية، فيقول: إن المحافظين من شيوخ الأدب قد سيطروا عليه في أول نشأته، ثم انتهى زمامه إلى الكتاب والصحفيين الذين نبهوا المجمع إلى أهمية العامية وإلى خطورة جمود اللغة بتخلفها عن مسايرة الزمن (ص ٨١ - ٨٢). ويقدم مثالاً من جهود هؤلاء (المجددين) بالبحث الذي ألقاه أحدهم في دورة ٤٦ - ٤٧ عن موقف اللغة العامية من اللغة الفصحى (فدعا فيه إلى التساهل في بعض قواعد الإِعراب وعدم التشدد في قبول المستحدث من الألفاظ والأساليب التي تجري على كل لسان لكي (يسهل علينا تطوير الفصحى حتى تقترب من العامية)، ودعا كذلك إلى أن نشرع في دراسات عاميات الأقطار العربية المختلفة لإِقرار ما هو مشترك منها، سواء صح في معاجم اللغة وكتبها أو لم يصح (ص ٨٣ - ٨٤). وذكر الزيات أنه ألقى بعد ذلك بحثاً عن (الوضع اللغوي وحق المحدثين فيه) ذهب فيه إلى إباحة استعمال الموَلد، وإزالة السد القائم بين الفصحى والعامية، لكي ينتج (من تداخل اللغتين وتفاعلهما لغة تجمع بين محاسن هذه ومحاسن تلك- ص ٨٥)، كما اقترح التقريب الخلاف بين العامية والفصحى أن يفتح باب الوضع للمحدثين على مصراعيه .. وأن يُرَدّ الاعتبار على المولد ليرتفع إلى مستوى الكلمات القديمة، وأن يطلق القياس في الفصحى ليشمل ما قاسه العرب وما لم يقيسوه، وأن يطلق السماع من قيود الزمان والمكان ليشمل ما نسمع من طوائف المجتمع كالحدادين والنجارين والبنائين وغيرهم من كل ذي حرفة - ص ٨٥). ويقول الزيات: إن مجمع القاهرة قد أقر هذه المقترحات وأخذ في تطبيقها (١).
أما علي حسن عودة مندوب حكومة الأردن فقد ظن أن هدف هذا المؤتمر هو (أن نقضي على اللغة العامية ونُحِل محلّها لغةَ تعبير وتخاطب عربيةً
(١) اعترف منصور فهمي بذلك في محاضراته التي ألقاها في هذا المؤتمر عن أهداف مجمع مصر في خدمة اللغة العربية (ص ٢٤١ - ٢٥٦).