أن يبعث بابنه وبابنته إلى هذا الوسط وبين أن يحرمهم من التعليم ويحجبهم في ظلمات الجهل. بل إنه لا يستطيع اختيار الطريق الثاني - على ظلمه وظلامه - لأن قوانين الدولة تجبره على أن يعلم أولاده حتى نهاية هذه المرحلة الأولى على الأقل.
وكان الشعوبيون يروجون اللهجات السوقية المحلية التي يسمونها العامية بمختلف الأساليب، وكان أعداء العروبة والإِسلام يتحايلون في انتزاع الدراسات العربية من حضانة الدين والقرآن، حتى قال قائلهم "فالذين يزعمون لنا أننا نتعلم العربية ونعلمها لأنها لغة الدين فحسب، ثم يرتبون على ذلك ما يرتبون من النتائج العلمية والعملية إنما يخدعون الناس، وليس ينبغي أن تقوم حياة الأمم على الخداع، فإِن اللغة العربية ليست ملكاً لرجال الدين، يؤمنون وحدهم بها ويقومون وحدهم من دونها، ويتصرفون وحدهم فيها. لكنها ملك للذين يتكلمونها جميعاً من الأمم والأجيال. وكل فرد من هؤلاء الناس حر في أن يتصرف في هذه اللغة تصرف المالك متى استوفى الشروط التي تبيح له هذا التصرف. وإذاً فمن السخف أن يظن أن تعليم اللغة العربية وقف على الأزهر الشريف والأزهريين، وعلى المدارس والمعاهد التي تتصل بينها وبين الأزهر والأزهريين أسباب طوال أو قصار. هذا سخف لأن الأزهر لا يستطيع أن يفرض نفسه على الذين يتكلمون اللغة العربية جميعاً وفيهم المسلم وغير المسلم (١) " والغرض الذي يرمي إليه صاحب هذا الكلام من قطع الصلات التي تربط الدراسات العربية بالدراسات الإِسلامية هو أن ينزع عن العربية قداستها ويحرمها من حماية الدين وحضانته ليكشفها أمام أعدائها ويعينهم على الِإجهاز عليها بعد أن يجردها من كل نصير أو معين. ولم يستح صاحب هذا الكلاِم وشيعته أن يتخذوا مجمع اللغة الربية في القاهرة ومكاتب جامعة الدول العربية ومؤتمراتها ميداناً لنشاطهم، فدعا أحدهم في المؤتمر الأول لمجامع اللغة العربية بدمشق إلى تأليف معاجم محلية لا يُثبت فيها إلَّا ما بقي من لهجات العرب حياً في عامية كل إقليم. ودعا آخر إلى إعادة النظر
(١) الفقرة ٣٦ من كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" لطه حسن ص ٢٣٠ من مطبعة المعارف سنة ١٩٤٤.