سنتين حتى صدر كتاب في النحو نسّقه إبراهيم مصطفى على ما تخيله طه حسين في تقريره ذاك، وقدَّم له طه حسين نفسه واقترح له اسمًا ضخمًا عريضاً فيه كثير من التبجح والادعاء، فسمَّاه (إحياء النحو). والمقول بأنه إحياء النحو هو الحلقة الثانية في سلسلة تيسير النحو، وهو الصورة التنفيذية لمذكرة طه حسين. ولعل القارئ لا ينسى ما تحدثت به المذكرة من أن هذه الخطوة الأولى ليست إلَّا تمهيداً لما يجيء بعدُ من التطور الذي "سيأتي وسيتحقق شيئاً فشيئاً". فهي صريحة فصيحة في الكشف عن نية صاحبها وعن أسلوبه في استدراج الناس، والبدءِ بالهين اليسير الذي لا يفاجئهم، ليتدرج منه إلى الخطير. إنه لا يسقيهم السم الزعاف القاتل لساعته لأنه يلفت الأنظار ويثير الشكوك، ولكنه يسقيهم سمًا بطيئاً يصل به إلى غرضه دون أن يكشف عن الجريمة. فليعرف الناس إذن أن (تيسير النحو) ليس هو منتهى ما يريدون ولكنه أول طريقٍ طويل يدفعون الناس فيه إلى قرار سحيق.
ومن أعجب العجب أن مؤلفي (تيسير النحو) رتَّبوا هذا الذي يزعمونه (تجديداً) على الثورة، فقالوا في مقدمة الكتاب " ... إلى أن جاءت الثورة المصرية سنة ١٩٥٢ ومعها العزم الصادق على الِإصلاح، والرأي الماضي على تذليل الصعاب فهُيِّءَ السبيل للتنفيذ". فلما شأن الثورة والعلم، وطبيعةُ العلم المحافظة والاتزان، وهو أبعد شيء عن الثورة، بل إن الثورة تفسده؟ فهل هذا إلَّا ملق سخيف رخيص!؟ وهل جاءت الثورة للهدم أم للبناء؟ وهل جاءت لتُعِز تراث العرب وتدعمه أم جاءت لتمحوه وتَعفي عليه؟ ألا ترى أن هذا هو نفسه ما تحدثتُ عنه في مقال سابق حين قلت: إن أصحاب هذه الدعوات يعرفون أن الثورات هي أكثر الظروف ملاءمة لبث سمومهم، إذ يلبسون ثياب الناصحين، ويندسون في غمار الثائرين الذين يريدون أن يستبدلوا بأسباب الضعف والفساد أسباباً للحياة والقوة والبناء، كما يندس المخربون والمأجورون من عملاء العدو وسط جموع المظاهرات، يحطمون المصابيح ويحرقون المنشآت، فيقلدهم غيرهم في صنيعهم دون تمييز بين ما يصلح تحطيمه وما يضر تحطيمه، يخربون بيوتهم بأيديهم ويحسبون أنهم يطهرونها وأنهم يصلحون!