الإِسلامية المهمة في الإِنسان ... ولا شك أن القيام بهذه الدراسة على وجهها أمر متروك لعلماء المسلمين أنفسهم - ص ٥٩". وغيرُ خافٍ ما تنطوي عليه (سيكولوجية الدين) من مفاهيم. أولها وأبرزها أن الدين ظاهرة نفسية ليس لها وجود خارجي حقيقي, لأن من المعروف أن هذه (السيكولوجية) تردُّ كل التصرفات إلى مصدر مجهول في أعماق النفس البشرية يسمونه (العقل الباطن). ولا أدري ولا يدري أحد أين هو على وجه التحديد، ولكنه في داخل الإِنسان على كل حال وليس خارجَه، ليس وحياً وليس تنزيلاً. يقول المبشر ميلَر بْروز صاحب الاقتراح الأصيل إن (تجربة النبوة) يمكن "أن تلاحظ وتدرس بنفس الطريقة، وإلى نفس الدرجة التي يمكن بها ملاحظة التأثيرات الذوقية والوجدانية ودراستها - ص ٤٣". ويقول "ويستطيع العالم أن يشير إلى أن التجارب الدينية - منظوراً إليها في ضوء الظواهر السيكولوجية - لا يمكن تمييزها من أوهام الحس - ص ٤٤". ويقول "إنه ليس للدين أن يتوقع أن معتقداته ستؤخذ قضايا مسلَّمة، على أساس أنها جاءت من طريق الوحي، وأن وراءها سلطة التقاليد القديمة ... أما العلم فإِنه يرى في روح البحث الحر جوهر الحياة. وإذا كان الدين يريد أن يضمن احترام العلماء فعليه أن يُظهِر استعداده لعرض قضاياه لضوء العقل، غيرمُحْتمٍ بسلطة إلَّا سلطة الحقيقة نفسها - ص ٤٥" (١). ولعل ذلك كله هو ما قصد إليه مُحَمَّدْ خلف الله في مذكرته من (عمق الثقافة وحرية الفكر).
تلك هي قصة أحد المشروعين. أما المشروع الآخر فهو متصل بمناهج جديدة للدراسة في قسم اللغة العربية بجامعة الإِسكندرية. وهو قسم
(١) الرد على كل هذه الدعاوى سهل يسير. وهو يتلخص في أن العلم البشري لا يصلح لأن يكون فيصلاً إلَّا في شؤون المادة المحسوسة التي يجُري عليها تجاربه، بل في بعض شوون هذه المادة مما تيسَّر له الكشف عنه. أما ما وراء المادة من الغيب الذي لا يحصيه إلَّا الله سبحانه وتعالى، فالعلم عاجز عن إبداء رأي فيه. وكل ما يقال في التشكيك فيما جاء به الدين ليس إلَّا ظنوناً لا تتجاوز مرتبة (الفروض العلمية). وذلك هو قول الله تبارك وتعالى فيما أنزل على نبيه "وما يتبع أكثرهم إلَّا ظناً. إن الظن لا يغني من الحق شيئاً" وقوله سبحانه وتعالى: "بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله".