فإِذا تركنا برامج الشعبة (الحديثة) إلى السنتين التمهيديتين اللتين يشترك
فيهما طلبة الشعبتين، وتزعم البرامج أنها تزوِّد الطالب فيهما بأركان الدراسات
العربية (في مرحلتها الكلاسيكية)، وجدنا أن الدراسات العربية لا تظفر فيهما بأكثر من نصف الوقت المحدد للدراسة، وهو وقت قصير لا يتجاوز مجموعه أربع عشرة ساعة في الأسبوع، نصيب الدراسات العربية منها سبع ساعات أسبوعياً في السنة الأولى وتسع ساعات أسبوعياً في السنة الثانية. مع ملاحظة أن بعض هذه الساعات التي ضممتها في إحصائي إلى الدراسات العربية يمكن إسقاطها من الحساب, لأن مراجعة المذكرة التفسيرية تبين أن ما يدرس فيها ليس من صميم العلوم العربية، بل هو في بعض الأحيان بعيد عنها. فبين ساعات السنة الأولى السبع مثلاً ثلاث ساعات باسم (اللغة العربية) تنص المذكرة التفسيرية على أنها دروس عامة يشترك فيها طلبة قسم اللغة العربية مع طلبة الأقسام الأخرى في دراسةٍ سطحية تلائم غير المتخصصين. وبين ساعات السنة الثانية التسع ثلاث ساعات تحت اسم (دراسات لغوية) وضحت المذكرة التفسيرية ما يدرس فيها بقولها: "ويبدأ هنا كذلك دراسة علم اللغة العام (General Linguistics) في تطوراته الحديثة مع الإِلمام بالمناهج الحديثة في دراسة الظواهر اللغوية - ص ٩٦".
ذلك هو ما تتضمنه دراسة الطالب الذي تمنحه الدولة في نهاية هذه السنوات الأربع شهادة تسمى اليسانس اللغة العربية وآدابها)، تجعل لحاملها الحق في مباشرة تعليم اللغة العربية للناشئة من أشبال العرب. فهل ترى أن هذه الدراسة تُعِدّه للقيام بهذه الوظيفة وحمل هذه الأمانة؟
بقي بعد ذلك أن أعود لما بدأت به حديثي حين قلت إن فكرة هذه الشعبة (الحديثة) قد بدأت في بِرْنستون، فأشير إشارة موجزة إلى مرحلتين سبقتا هذه البرامج تصوران نشأة هذا التوجيه وتطوره. أما المرحلة الأولى فهي تتمثل في الكلمة التي ألقاها مقترح هذه البرامج في مؤتمر الثقافة الإِسلامية المعاصرة الذي انعقد بجامعة بِرْنستون الأمريكية في صيف ١٩٥٣، وقد جاءت في كتاب (الثقافة الإِسلامية والحياة المعاصرة) تحت عنوان (القيم الإِسلامية والحياة الأدبية في مصر الحديثة) بين صفحتي ٥٢٧، ٥٤٩ وهي كلمة