فالعقل هو الذي يستخرجها من مكامنها ويحيلها من مادة صماء جامدة إلى قوة حية منتجة، والخلق المديني هو الذي يدفع الناس إلى إعمال هذا العقل في الطريق الصحيح، وإلى بذل الجهد فيما وكل إليهم من أمور، أداءًا للأمانة، وابتغاءاً للعزة والسيادة وإعلاء الحق.
وقد أصبحت مطامع أمريكا في هذه المنطقة وعداوتُها لحماتها الذين يتصدون لحراستها ويتزعمون نهضتها مشهورة لا تخفى ولا تحتاج إلى تنبيه. فاتصال القائمين على شؤون التربية والتعليم في هذه الأمة العربية بالؤسسات الأمريكية، والتعاوُن معها في ترويج مبادئ وأساليب يقال إن المقصود بها هو رفع مستوى التعليم وإصلاح شؤون الجيل الجديد، أمر لا يصدّقه العقل ولا يتفق مع ما يبذلون من محاولات ظاهرة وخفية لابتلاع هذه الأمة والكيد لها. فالذين يشتركون في المؤتمرات الأمريكية، والذين يتعاونون مع دور النشر الأمريكية، وكلها يموَّل من مصادر مريبة، يَسْخرون من عقولنا، ويخدعون أنفسهم إن زعموا أنهم يخدمون أمتهم بالاشتراك في هذه المؤسسات, لأن الأموال الأمريكية التي تنفق بسخاء يبلغ حد السّفه على هذه المؤتمرات وعلى هذه الدور لا يمكن أن تستهدف خير هذه الأمة ونفع أهلها.
وقد وقع بين يدي في هذه الأيام كتاب أصدرته الجامعة الأمريكية ببيروت في العام الماضي (يوليو ١٩٥٦)، يحتوي على محاضرات في نظم التربية، هي سجل لما دار في مؤتمر دعت إليه هذه الجامعة، واشترك فيه جماعة من كبار المسؤولين عن التربية في مصر وفي سوريا والعراق والاردن ولبنان. وقد مُثِّلت ثلاثة من هذه البلاد في ذلك المؤتمر الأمريكي بثلاثة وزراء سابقين للتربية والتعليم. فمثلت مصر باسماعيل القباني، ومثلت العراق بعبد الحميد كاظم، ومثلت الأردن بأحمد طوقان، والأخيران من تلاميذ الجامعة الأمريكية الداعية لعقد هذا المؤتمر، وقد كان العضو الأردني يشغل عند عقد هذا المؤتمر منصب مستشار لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في منظمة الإِغاثة الدولية. أما البلدان الباقيان - سوريا ولبنان - فقد مثلهما رجلان من كبار المسؤولين عن التعليم وهما جميل صليبا عميد كلية التربية في الجامعة السورية، ونجيب صدقة المدير العام لوزارة التربية الوطنية والفنون في لبنان. وقد اشترك مع إسماعيل القباني