المزعومة، فيقول إنه قد اقتنع منذ مدة "أن الوسيلة انوحيدة للبلاد العربية والإِسلامية هي الحرص على اللغة الفصيحة وتعميمها - ص ٥٤٩". ولكن حقيقة أمره لا تلبث أن تتضح حين يتبين للقارىء أن اللغة الفصيحة التي يعنيها هي لغة أخرى معدَّلة متطورة في رسمها وفي مادتها، إذ يدعو إلى "استعمالها في شؤون الحياة والفكر، وإصلاح رسمها بما يسهل الاستعمال، وإغنائها بكثير من عناصر الحياة التي تفيض بها اللغة العامية، وإخضاعها لما لا يضيع خصائصها الجوهرية من أساليب التطور والتجديد - ص ٥٤٩).
فهذا المقال يصور مولد الفكرة في برنستون، وهو المرحلة الأولى في برامج قسم اللغة العربية. أما المرحلة الثانية التي توسطت بين نشأة الفكرة في صيف سنة ١٩٥٣ وبين تنفيذها في البرامج الجديدة بقسم اللغة العربية في العام الدراسي (٥٥ - ٥٦) فهي مسجَّلة في مقال لمحمد خلف الله نشره في (مجلة اتحاد كلية الآداب) عن العام الدراسي (٥٤ - ٥٥)، وهو يصور اختمار الفكرة، وقد جاء هذا المقال تحت عنوان (ثقافة الاسكندرية الحديثة - ص١٢ إلى ١٤)، وفيه يقول بعد أن أشار إلى عناية جامعة؟ الإسكندرية بدراسة الفكر العربي الحديث: "وستشهد السنوات القليلة المقبلة مزيد عناية بهذه الدراسة وتوسعاً في ميادينها، حتى تشمل ظواهر التطور اللغوي والأدبي وتفرع اللهجات في وادي النيل والبلاد العربية. وسيزداد الاهتمام في هذه الدراسة بالجانب التجريبي من بحوث اللغة، فينشأ معمل لتسجيل الأصوات وقياسها - ص ١٤" (١). وقد قسم كاتب المقال الفكر الإِسلامي والعربي في ختام مقاله هذا إلى (فكر عربي وإسلامي كلاسيكي) و (فكر عربي حديث) ودعا إلى "المحاضرة عنه في المعاهد الأوربية والأمريكية التي تعنى الآن بدراسة هذا الفكر وتعرف اتجاهاته"، ولست أدري إن كان قد سأل نفسه حين كتب هذا الكلام، ما هو سبب هذه العناية الجديدة من جانب أمريكا بتعرف اتجاهات الفكر الإِسلامي الحديث ومحاولة توجيهه في اتجاهات معينة؟!
ولأكتف من المقال بهذا القدر، ولأتجاوز عما جاء به من اقتراح إنشاء (معهد لدراسات البحر الأبيض) يصبح "كعبة للطلاب الغربيين الذين يفدون
(١) وقد أنشىء هذا المعمل الذي ذكرت في صدر المقال أن طه حسين قد فشل في إنشائه.