المتخرجين إلى إنجلترا للتخصص في هذه الدراسات حين كان عميداً لدار العلوم. ومن سوء الحظ أن كثيراً من المتخرجين في هذا المعهد وفي المعاهد ذات الطابع الديني على وجه العموم، لضعف شخصياتهم وفقدانهم الاعتزاز بصفتهم العربية والإِسلامية، يحكم تصرفاتهم شعور عميق بالنقص يمكن أن نسميه "عقدة الخواجة"، فيبدون في تفكيرهم وفي تصرفاتهم وفي مبالغتهم في الإِشارة إلى المراجع الأجنبية والإِشادة بها والاستناد إليها والاستشهاد بها واستعمال مصطلحاتها كأنهم يريدون أن ينسلخوا من ماضيهم - الوضيع في وهمهم - انسلاخاً كاملاً، وأن يثبتوا لأنفسهم في دنيا المتفرنجين مكاناً أثبت من مكان الذين نشؤوا في هذا التفرنج. والذين يتصرفون على هذا النحو هم الذين ثاروا في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من هذا القرن على العمامة حين كانوا طلاباً في (دار العلوم) مطالبين بلبس (الطربوش). كانوا في ذلك الوقت يريدون أن ينسلخوا من صفتهم الدينية وأن يباعدوا بين أشخاصهم وبين كل ما يربطهم بهذه الصفة. كانوا يريدون أن يخلطوا أنفسهم بطلاب المدارس المدنية العلمانية وأن يقطعوا صلتهم بطلاب (الأزهر) الذي نشأ أكثرهم فيه في المرحلتين الابتدائية والثانوية. والذين سافروا من هؤلاء ومن خلفائهم في بعثات تعليمية إلى أوروبا - أكثرها إلى إنجلترا - عاد كثير منهم تصحبه زوجة أوربية. هؤلاء همِ الذين يتصدرون الدعوة إلى دراسة اللهجات العامية في هذه الأيام، تمشياً - في زعمهم - مع التطور الغربي الحديث للدراسات اللغوية، وهم بذلك يسيرون في آثار الذين يستخدمهم الاستعمار في هدم اللغة العربية كيداً للعرب وللمسلمين من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون.
تَكمِن هذه الدعوة وأشباهها من الدعوات الهدامة حين تصدمها المقاومة القوية وتجبرها على الاختفاء، ثم تظهر وتحاول الانتشار عند كل فرصة ملائمة. والفرصة الملائمهَ في هذه الأيام هي تطوير البرامج والمناهج الجامعية. والمقصود بالتطوير في الحقيقة هو اللحاق بالذين سبقونا بآماد بعيدة في ميادين الدراسات التي تتصل بالتقدم الصناعي بكل ما ترتب عليه من تفوق حربي واقتصادي. ينتهز أصحاب هذه الدعوة الفرصة عند كل اجتماع للتطوير