عصره. فقد حققت هذه الطائفة نهضتنا الأدبية الحديثة من طريق القواعد العربية التي يزعم الزاعمون صعوبتها وعجرها عن تنشئة جيل عربي صالح، صحيح العبارة والفكر، ولم تحققها عن طريق ابتكار قواعد أُخرى. ويكذِّب زعمهم كذلك أن العرب قد غفلوا عن هذا الوهم طوال أربعة عشر قرناً صلحت فيها اللغة لمواكبة الأجواء الحضارية والفِكرية التي تقلبوا فيها بين مشارق الأرض ومغاربها، لم تَضِقْ بشيء منها. ولم ينتبهوا إلى وجود هذا النقص في اللغة إلَّا في نصف القرن الأخير، تقليداً لدعاة المستعمرين الذين أخذوا يؤلفون الكتب في اللهجات المحلية العامية، كلٌّ في منطقة نفوذه. واقترحوا اتخاذ هذه اللهجات لغات تحل محل العربية الموحدة (بفتح الحاء وبكسرها)، في تدوين العلم والأدب، كما اقترحوا كتابتها بالحروف اللاتينية. وكذلك فعل بعض العرب حين ألفوا كتباً في دراسة اللهجات العامية لتدرَّس في المعاهد التي أنشئت لهذا الغرض في نابولي سنة (١٧٢٧) وفي فينا سنة (١٧٥٤ م) وفي موسكو (١٨١٤ م) وفي لندن في أوائل القرن التاسع عشر، وفي باريس في الثلث الأخير من ذلك القرن.
منذ ذلك الوقت كثر الكلام في صعوبة اللغة العربية، وفي الازدواج الذي تعيش فيه الشعوب العربية. يفكرون بلهجاتهم العربية - كما يزعم الزاعمون - ويكتبون آدابهم وعلومهم بلغة أجنبية أُخرى هي اللغة الفصحى.
تكلم الناس في صعوبة الإِعراب الذي يلحق أواخر الكلمات، فاقترح بعضهم التخلص منه جملةً بتسكين أواخر الكلمات، واقترح بعضهم اختصاره بإِسقاط بعض أبواب اعتبروها غير أساسية والإِبقاء على أبواب أُخرى اعتبروها أساسية. وقال فريق ثالث: إن الصعوبة ليست في الإِعراب نفسه، ولكنها في القواعد التي تضبطه. ودعوا إلى إعادة النظر في تبويب النحو والصرف وفي قواعدهما ومصطلحهما. وخطا أصحاب هذه الدعوة خطوات عملية فاشلة في هذا الطريق، وألفوا في ذلك كتباً بيِّنة الضعف والهزال، فُرِضت حيناً على يختلف المراحل الدراسية في بعض البلاد العربية، ثم لم تلبث أن ألغيت بعد أن ثبت فسادها وعدم جدواها.