للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وخطرُ هذه الدعوات على التراث الإِسلامي وعلى الأجيال التالية من أبناء المسلمين وأبناء العرب بخاصة واضح لا شك فيه. فكلها يرمي إلى عزل هذه الأجيال عن تراثها، بتغيير رسم الخط تارة، وبتطوير اللغة تارة أُخرى - وهو تطوير يزداد مع توالي الأعوام - وبتغيير مصطلح العلوم اللغوية من نحوية وصرفية وبلاغية تارة ثالثة، وهو مصطلح يشيع استعماله في كل كتب التراث من تفسير القرآن الكريم، وشرح الحديث الشريف، وشرح النصوص الشعرية والنثرية. ويكفي في التدليل على فساد نية الداعين بهذه الدعوة أن نقرأ الفقرة التالية من كتاب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر" حيث يدعو إلى فتح باب التطوير في اللغة العربية ودراساتها، فيقول فيما يقول:

"وفي الأرض أمم متدينة كما يقولون، وليست أقل منا إيثاراً لدينها, ولا احتفاظاً به، ولا حرصاً عليه، ولكنه تقبل في غير مشقة ولا جهد أن تكون لها لغتها الطبيعية المألوفة التي تفكر بها، وتصطنعها لتأدية أغراضها, ولها في الوقت نفسه لغتها الدينية الخالصة التي تقرأ بها كتبها المقدسة وتؤدي فيها صلواتها. فاللاتينية مثلاً هي اللغة الدينية لفريق من النصارى، واليونانية هي اللغة الدينية لفريق آخر، والقبطية هي اللغة الدينية لفريق ثالث، والسريانية هي اللغة الدينية لفريق رابع (١) ... وبين المسلمين أنفسهم أمم لا تتكلم العربية، ولا تفهمها, ولا تتخذها أداة للفهم والتفاهم، ولغتُها الدينية هي اللغة العربية. ومن المحقق أنها ليس أقل منا إيماناً بالإِسلام، وإكباراً له، وذِياداً عنه، وحرصاً عليه - الفقرة ٤٦ ص ٢٢٩ - ٢٣٠ من طبعة المعارف سنة ١٩٤٤".

وينبغي لقارىء هذا النص أن لا ينسى الشعار الذي اتخذه طه حسين في صدر كتابه حين أثبت على غلافه أبيات المعري:

خُذي هذا وحسبُكِ ذاكَ منِّي ... على ما فيَّ من عِوَجٍ وأمْتِ


(١) هذا الكلام ليس من صنع طه حسبن. فهو ترديد لما قاله القاضي الإِنجليزي ولمور (Selden Willmore l.) من قبل في كتابه "عامية مصر" (The Spoken Arabic of Egypt) ص ١٥ من طبعة لندن سنة ١٩٠١ م.

<<  <   >  >>