ويوجد بيننا أَمَدٌ بعيد ... فأمُّوا سَمْتَهم وأَممتُ سَمْتي
وهي أبيات واضحة الدلالة في أن المؤلف لا يصرح بكل ما في نفسه، وأنه قد أخفى ما يخشى أن يعرِّضه لمثل ما تعرَّض له حين أخرج كتاب (الشعر الجاهلي).
ثم إن أصحاب هذه الدعوات خطَوا خطوة جديدة في السنوات الأخيرة، في محاولة لا تريد أن تعيد النظر في قواعد اللغة العربية، نحوِها وصرفِها فحسب، ولكنها تريد أن تطوي كل ما كتبه العرب في هذا الصدد، لتطبِّق أساليب أُخرى جديدة في دراسة اللغة العربية منقولةٍ عما يحاوله بعض دارسي اللغات الغربيين فيما يسمونه (General Linguistics) أو (علم اللغة العام)، كما يَدْعون إلى إدخال الدراسات الصوتية التي يسميها الغربيون (Phonetics) وهي فرع من دراسات علم اللغة العام عند الغربيين. واللغةُ في هذه الدراسات أصوات تؤدي وظيفة اجتماعية. وهي في عُرفهم ما يتكلمه الناس في واقع حياتهم اليومية، لا ما يجب أن يتكلموه في أدبهم المدون المكتوب. وهم من أجل ذلك لا يفرِّقون بين فصيح وعامي. والدراسات التي يشتمل عليها علم اللغة العام بكل فروعه، ومنها الدراسات الصوتية، دراسات ناشئة عند الغرب لم تستقر بعد. ومصطلحاتها الأساسية غير متفق عليها بين المشتغلين بها. ولا تزال مفاهيم هذه المصطلحات ومعانيها مختلفة بين بلد وآخر. والمدارس الأوربية والأمريكية لا تزال قانعة باتباع النظم التقليدية المستقرة في تعلم اللغات، لا تلقي بالًا إلى ما يقوله المشتغلون بهذه الدراسات وما يدعون إليه من مفاهيم وأساليب جديدة في دراسة اللغات. ولا تزال اللغة الأدبية الفصيحة عندهم هي المخصوصة بالدراسة، لا يلتفتون إلى ما يدعو إليه المشتغلون بعلم اللغة من التسوية بين اللغات واللهجات، وإن كانوا - على عادتهم - يفسحون المجال لكل تجربة جديدة.
يحاول علم اللغة العام عند الغربيين أن يجد طريقة لدراسة (اللغة) باعتبارها ظاهرة إنسانية عامة تضم جميع الأشكال الكلامية التي تتخذها