الجماعات البشرية على اختلافها، وقد يكون لهذه المحاولة ما يسوِّغها في اللغات الأوروبية التي تشترك في طبيعتها اللغوية وتتقارب في ظروفها الاجتماعية، والتي تتغير معاجمها بين الحين والحين، فلا يمر قرن واحد على لغة من لغاتها دون أن يصيبها تغيير أساسي في كثير من مفرداتها وقواعدها يستدعي وضع معجم جديد، ولكن إقحام هذه الدراسة التي تنبع اهتماماتها وقواعدها من طبيعة اللغات الأوربيه على لغة كالعربية، تختلف في طبيعتها وفي ظروفها التاريخية والاجتماعية وارتباطها بالدين اختلافاً أساسياً عن هذه اللغات بِدْعٌ شاذ قليل الجدوى. بل هو إفساد مُضر وقلب للأوضاع, لأنه لا يصدر عن حاجة في واقع الأمر تدعو إليه، ولأنه يحاول أن يفرض قواعد نابعة من خارج اللغة العربية على طبيعتها اللغوية، بَدَلَ أن يستنبط من واقعها اللغوي وطبيعتها المستقرة قواعد تعين على فهمها وضبطها واستخدامها في التعبير. واللغة العربية - بحمد الله - غنية بهذه الدراسات عريقة فيها. وقياسُها على اللغات الأوروبية التي ليس لها مثل هذا التراث العريق الممعن في العراقة طولًا وعرضاً خطأ فادح لا يكون إلَّا عن جهل أو سوء قصد. جهل بسنن الله التي لا تتبدل، والتي قضت أن يختلف الناس في أجناسهم وألوانهم وألسنتهم، ولو شاء لجعلهم أمة واحدة، أو سوء قصد يعمل على تفريق المسلمين، وفصلهم عن مصادر دينهم وعن تراثهم.
واقترنت الدراسات اللغوية الحديثة على الطريقة الغربية، والصوتيةُ منها بنوع خاص، بالدعوة إلى العناية باللهجات العامية وآدابها أو ما يسمونه (الأدب الشعبي). والدعوةُ بشكلها هذا جديدة على الدراسات العربية، لم يُسمَع لداعٍ بها صوتٌ قبل القرن الأخير، وقد نشأت أولَ ما نشأت باقتراح بعض المستشرقين من رجال الاستعمار، حين جمعوا طائفة من الأغاني والمراثي والمواويل والأناشيد العامية، تدعيمًا لدعوتهم، وحين اتخذوا بعض ما يسمونه (الأدب الشعبي) الذي لم يتمثل في قصص (ألف ليلة وليلة) وأمثالها موضوعا للدراسة. ومن المعروف أن أكثر هذه القصص لم يكتب باللهجات العامية المحلية، ولكنّ جماعة عن الجهال القليلي الحظ من الثقافة حاولوا أن يكتبوه باللغة الفصحى بقدر ما سمحت به إمكاناتهم وملكاتهم، فجاء على هذه