ذلك إلى أن التعديل الذي طرأ على النص القرآني - كما زعمته الطالبة - بوضع كلمة مكان كلمة أو بالتقديم والتأخير هو تعديل في الصياغة. والتعديل في الصياغة تعديل في المعنى وفي المضمون، يترتب عليه تعديل في التشريع وتعديل في العقيدة نفسها. وهو في الوقت نفسه تعديل في الصفة البلاغية للكلام. لأن البلاغة تقوم في المكان الأول على اختيار الكلمات وعلى ترتيبها، وهو ما يسميه أهل ذلك الفن بالنَّظْم أو الأسلوب. بحيث يمكن أن تنتفي صفة البلاغة عن الكلام البليغ إذا حدث تغيير وتبديل في كلماته أو في ترتيب هذه الكلمات. والقرآن هو مصدر العقيدة ومصدر التشريع الأول في الإِسلام. ومدار ذلك كله على النص. وهو معجز لا شك بإِجماع علماء المسلمين. وهو بقراءاته جميعاً منزَّل بلفظه من عند الله. ومن فضول القول والإِسراف في تبديد الوقت والجهد أن نتكلم في ذلك أو نقيم الحجة عليه. فإِجماع المسلمين منعقد على أن القرآن يُعتَمد فيه على السماع والنقل المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلمِ عن جبريل عليه السلام في كل كلمة من كلماته. هذا شيء ثابت ثبوتاً قطعياً، عقيدةً، وتاريخاً، وعقلاً. والنصوص فيه والأدلة متواترة متراكمة من كل وجه من هذه الوجوه. وشهادة القرآن بذلك صريحة. وتكفىِ فيها مراجعة الآيات ١٦/ ١٠٢، ١٨/ ٢٧، ٢٦/ ١٩٢، ٢٧/ ٦، ٥٦/ ٧٧، ٧٥/ ١٨، ٨٠/ ١٢، ٨٥/ ١٢ من سور: النحل، الكهف، الشعراء، النمل، الواقعة، القيامة، عبس، البروج.
ومع ذلك كله فالبحث يقوم على المجازفة المنافية للمنهج العلمي، وهي مجازفة لا تحُمَل إلا على الجهل أو سوء القصد. فالقضايا العلمية لا تقوم على برد التوهم والتخيل، ولا سيما إذا كانت تتصل بدين الدولة وبمقدَّسات الأمة، كما جاء في (ص ٣٦) حين عرضت الطالبة لجمع (أبي بكر بن مجاهد) للقراءات السبع فقالت:
(ويبدو لي، كفروض عقلية، ساعد على استنتاجها التعرف عام ملابسات الجو وتفحص عمل ابن مجاهد ..) والاستنتاج العلمي لا يقوم، حين يعجز الطالب عن فهم النصوص والتمييز ما بين كلمة وكلمة. فالطالبة تروي عن خالويه أنه قال: (وقرأ أعرابي: "شرًّا يَرَهْ، وخيراً يَرَه" قدَّم وللدين وللدين تهمةً تهمةً