أستاذ، قراءةً من المصاحف. وهذا الادعاء الفاسد يفتح باباً واسعاً للكلام في سلامة النص القرآني. لأنه يعني أن رواية هذا النص قد اعتمدت أحياناً على المكتوب وحده دون المسموع. فإِذا اتفق مثلاً أن دُسَّ على المسلمين مصحفٌ محرَّف في فترة من فترات الاضطراب والفتنة، أو في إحدى الأطراف النائية من بلاد المسلمين، كالذي حدث في هذه الأيام حين نشرت إسرائيل مصحفاً مُحرفاً بين المسلمين في بعض البلاد الإِفريقية، فمن الجائز - إذا لم يكن حفظ القرآن معتمداً على السماع والقراءة معاً - أن تنتشر هذه القراءة المحرفة بين المسلمين. ومعنى هذا أن رواية النص القرآني كانت تعتمد على ما يسميه علماء مصطلح الحديث (بالوِجَادَة)، أي الإعتماد على المكتوب دون الرواية, بأن يروي الراوي نقلاً عما وجده في كُتب مَنْ ينقل عنه. و (الوِجَادة) عند علماء مصطلح الحديث من أضعف مراتب التَحمُّل. وهي عندهم غيُر معدودة في باب الرواية, لا يحق للراوي أن يروي بها عن أصحابها، بل يقول (وجدتُ بخط فلان). ومعنى هذا أنه لا يحق للذي يعتمد على قراءة الصحف دون توقيف أن يروي القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحق له إلا أن يقول (وجَدتُ في المصحف بخط فلان).
إن الاعتذار عن هذا الخطأ الجسيم الخطير بجهل قضية التوقيف وعدم فهمها ... كما جاء في العدد ٢١٧٢ من صحيفة (المصوَّر) - يبرر عدم إجازة البحث ولا يبرر إجازته, لأنه يدل على أن الطالبة لم تعرف الموضوعات الأساسية المتصلة بموضوعها. وقد قررت أن أهم ما توصل إليه بحثها من نتائج هو رفض فكرة التوقيف. وإذا جاز أن تمنح الجامعة درجاتها مع فساد العقيدة، فمما لا شك فيه أنه لا يجوز أن تمنحها مع الجهل.
أما أن الأخطاء قد جاءت على هامش البحث في المقدمة والخاتمة، كما جاء في هذا العدد نفسه من صحيفة (المصوَّر) فغيرُ صحيح. فالتوقيف مسئلة أساسية في الأداء القرآني الذي هو موضوع البحث, لأنه يتعلق بتواتر هذا الأداء واتصاله برسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعدم اتصاله. والذي انتهت إليه الطالبة هو أنه غير متواتر، وغير متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم.