فيه التبشير والدعوات الهدامة طوال قرن من الزمان. نعم، هذا البذاء وهذه الدعوة السافرة إلى هدم الخلق ونقضه، والقضاء على الحياء الذي لا يقوم بغيره مجتمع ولا خلق ولا دين، وإشاعة الفاحشة بين خلق الله، تسمى عند الأمريكيين وسماسرتهم (علمًا). فقد كتب بالخط الفارسي الجميل على غلاف هذا الكتاب وعلى غلاف كل كتاب من كتب هذه المجموعة - وهي على اختلافها تشترك في الكلام عن الجنس والاهتمام به - "سلسلة دراسات سيكولوجية". والسيكولوجيا هي ما يترجمه الذين رزئت بهم هذه الأمة بـ "علم النفس".
وعلماء النفس هؤلاء يبنون قواعدهم وقوانينهم على تجارب مهما يظنوا بها لدقة فهي معرضة للخطأ من نواح كثيرة، ومهما يظن الناس بها الأمانة فهي معرضة للتحيز، ولأن تكون أداة في يد أصحاب المذاهب السياسية والاقتصادية والدينية (١). إذ من الواضح أن هذه التجارب - مهما ادعى أصحابها شمولها - هي غير شاملة لأفراد الجنس الذي تُجرَي عليه. ثم إن نجاحها بعد ذلك يتوقف في كثير من الأحيان على صراحة الأفراد المستجوبين وصدقهم، وعلى أمانة الباحثين وبعدهم عن التحيز، وصحة إدراكهم لدلالات ما يشاهدون وما يحسون، وعلى توافر كل ما يستلزمه الحكم الصحيح من شروط، ومهما يحرص صاحب التجارب النفسية والاجتماعية على التنوع وعلى الشمول في اختيار الذين يُجري عليهم تجاربه، فليس هناك وسيلة للقطع بأن الأفراد الذين جرت عليهم التجارب أو الِإحصاءات يمثلون الجنس الذي ينتمون إليه تمثيلًا صحيحاً. ثم إن هذه التجارب محدودة بحدود الزمان والمكان. فهي تمثل جيلاً من الجنس الذي تجري عليه التجارب وليس هناك ضمان لصحة الحكم المستنبط بالقياس إلى الأجيال السابقة أو اللاحقة, لأن الحكم الذي يصلون إليه هو في أكثر الأحيان خاضع لظروف معينة مرتبطة بالمكان والزمان والملابسات. ومن الأهمية بمكان في مثل هذه البحوث أن نتأكد من نزاهة
(١) راجع (الحرية والثقافة) لجون ديوى، ط. الجامعة العربية ١٩٥٥ ص ٤٠ - ٤١، خبراء النفوس للمليجي ط مصر ١٩٥٦ ص ١٧ - ٢٨، وراجع كذلك على سبيل المثال الفصلين الرابع عشر والخامس عشر من كتاب "ميادين علم النفس التطبيقية والعملية"؟. ط المعارف بمصر ١٩٥٦ - ج ٢ ص ٥٢٣ - ٦٢٦.