من الضلال، ونلزمه أصولاً وقواعد هي كالسور الذي يعصم السالك في الظلام من التردي في الهاوية، وهي مثل قوانين المنطق التي لا يعتبر التزامها حداً للتفكير ولكنه عصمة له، وهي مثل الدستور الذي لا يعتبر تقيد المشرِّعين به في كل ما يشرِّعون حداً من سلطتهم ولكنه ضمان لهذه السلطة أن لا تزيغ عن القصد عن علم أو عن غير علم.
ونحن إن احتجنا إلى الاستفادة من خبرة الغرب وتفوقه في الصناعات الآلية التي كانت سبباً في مجده وسيادته، فمن المؤكد أننا في غير حاجة إلى استيراد قواعد السلوك والتربية والأخلاق التي تدل الأمارات والبوادر على أنها ستؤدي إلى تدمير حضارته والقضاء عليها قضاء تاماً في القريب العاجل. إننا نحتاج إلى مواد البناء, لأن لدينا من عوامل الضعف والهدم ما يكفي.
ومع ذلك كله تجد فينا من لا يُصيخون السمع إلى صوت الدين، وهم يلحدون في آيات الله فيميلون بها عن وجهها حيناً ويجادلون فيها أشد المجادلة حيناً آخر، ولكنهم يخضعون لهذه المزاعم الداعرة ويرونها فوق النقاش واِلمراء. هؤلاء قوم لا تقوم عندهم الحجة بالقرآن، ولكنها تقوم بهذه الظنون والأوهام. فإِذا عارضتهم بالثابت من قول الله سبحانه وتعالى - وهم يزعمون أنهم مسلمون - لَوَّوا رؤوسهم وقالوا: نحدثك في العلم فتحدثنا في الدين؟ كأن هذه الأوهام أثبت عندهم من القرآن، أترى فرقاً بين هؤلاء، وبين أمم قد خِلت من الضالين كانوا يقولون إذا ذكّروا بآيات الله:{قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}