مهمتها هي الإِرشاد، أىِ الهداية التي تنقذ من الغَيِّ والضلال، وتهذب الطبائع والخصال. فليس من عملها أن تستجيب لأهواء الناس وتتبعهم فيما يشتهون, لأنها تقود ولا تقاد، ولأن مهمتها - كما يدل عليها اسمها - هو الإِرشاد، وليس التسرية ولا التلهية والترفيه، وإن كان بعض ذلك قد يُتخَذ وسيلهَ للإِرشاد، فلا يكون مقصوداً لنفسه، ولكنه وسيلة لما انتدبت له هذه الوزارة الخطيرة من أمر. ثم إن هذا الإِرشاد محدود بحدود، مقيد بقيود، فهو إرشاد قومي، أي أنه يخدم هدفاً معيناً هو خدمة قوم بعينهم، لهم دين معروف ولهم قيم خلقية واجتماعية محددة مقررة، ولهم سياسة ومصالح رسمتها الدولة في دستورها وفي قوانينها. فإِرشاد هذه الوزارة إذن هو في حدود واضحة بينة المعالم والمناهج، وليس متروكاً لشطحات الشاطحين ونزغات النازغين من كل ذي هوى يزعم أن ضلاله هو عين الرشاد، ويضع للهداية وللإِرشاد مقاييس لا يدري أحد من أين جاء بها، ويعّرف الخير والجمال تعريفات ينكرها ديننا وخلقنا، ويسوق القول في مضايق ومآزق تعارض ما رسمت الدولة لنفسها من سياسة وما رضيت الأمة لنفسها من دستور.
ومع ما يدل عليه اسم الوزارة من معنى محدَّد يرسم منهجها بما لا يكاد يحتمل لبساً أو غموضاً فالمتأمل فيما يخضع لها من مصالح وأقسام وإدارات يجد عجباً فيما يمر به من متناقضات، يخيل إليه معها في كثير من الأحيان أن مخالفة المنهاج أمر مقصود من فاعليه، لم يتورطوا فيه عن خطأ أو نسيان.
خذ لذلك مثلاً من الإِذاعة. فالسياسة التي تجري عليها هي إشباع الشهوات لا الإِرشاد، وهي في كثير مما تهز به أجواء الأرض من كلمات أو أصوات تُفسد ولا تصلح، وتغوي ولا تهدي، وتحتاج للمرشد مع أن مهمتها هي الإِرشاد. فقصصها المسلسلة مثار للفزع الذي يقلق النفوس ويسقم الناشئة ويجنح بطبائعهم إلى الانحراف، بما يدور حوله سياقها من جرائم تظهر عتاة الأشقياء في مظهر الأبطال، وبما تعرضه من نماذج لنفوس فظة مريضة، وبما توحي إلى أبنائنا وبناتنا من سلوك منحط سافل يتحدى خلقنا الإِسلامي بما تزوره وتزيفه من مبتكرات الوهم الكبير الذي يسمى "علم النفس"، وبما تقدمه هم من نماذح لأساليب الكتابة والخطاب في أحاديث