الغرام ورسائله وتأوهات المغرمين والمغرمات، وتماوت المتهالكين والمتهالكات من الممثلين والممثلات، وبما تحدث من تفكك هدَّام في كيان الأسر، حين تنزل ضيفاً ثقيلًا على كل بيت، وتفرض نفسها سلطة ثانية إلى جانب سلطة الوالدين، بل تفرض نفسها رقيباً عليهما، إذ تصحح تصرفاتهما، تمحو منها ما تشاء وتثبت ما تشاء، وتصورهم أمام أبنائهم وكانهم ينتمون إلى جيل رجعي لا بد أن يعدل عن آرائه الجامدة أو يتحطم أمام سيل التطور الجارف. وذلك في الوقت الذي تغذِّي فيه سخط الأبناء وتمردهم المتزايد الذي ينمو يوماً بعد يوم.
وقد يكون تأثير مثل هذه الحكايات الملفقة والحوادث المصنوعة ضعيفاً على كبار النفوس وناضجي العقول من ذوي التجربة والمثقفين, لأنهم لا يندمجون فيما يسمعون، فهم دائما على ذكر من أن الذي يسمعونه هو مجرد أوهام لا تمت للواقع بصلة. ولكن الشباب والأطفال وضعاف العقول لا يفرقون بين ما يسمعون في الإِذاعة وبين ما يشاهدونه في الحياة، ولا يميزون بين القصة التي يشاهدونها على لوحة الخيالة وبين واقع الأمر في الحياة. فهم يندمجون اندماجاً كاملًا فيما يرون وما يسمعون من ذلك كله، فتجذبهم الأحداث إلى الهياج تارة وإلى البكاء تارة أُخرى, وتنطبع آثارها في نفوسهم فتصبح جزءاً أصيلاً من مشاهداتهم وتجاربهم، بل إنها تصبح آصل من كل ما شاهدوا وما جربوا لا يحيطها من عوامل الإِغراء والإِقناع والتأثير التي افتن فيها مخرجوها وبلغوا في ذلك أقصى الطاقة والجهد.
فإِذا انتقلنا من القصص إلى البرامج على اختلاف أسمائها سمعنا أسئلة توجه إلى الريفية الساذجة وإلى "بنت البلد" الحافظة عن العشق والغرام تطمئننا إجاباتها إلى تقدم المرأة المصرية بعد أن زالت عنها أعراض (داء) الحياء القديم. كما نسمع نصائح من المخمورين والحشاشين وعُتقَاء السجون، ونسمع خلال ذلك أبغض الأغاني إلى أصحاب الطبائع السليمة المستقيمة مما يطلبه هذا الحشد الذي لا أدري أهو مصنوع، أم أن الصدفة وحدها هي التي ألفت بينه وجمعته.
وإذا أرادت الإِذاعة أن تسري عن سامعيها وتذهب عنهم ما ألم بهم من