أما الذين لا يُلزمون أنفسهم حدود الله، ولا ينقادون لما أمر به فلنا معهم حديث آخر. وإلى هؤلاء نقول:
قد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون جميع خلقه من ذكر وأنثى. تجد ذلك في الحيوان وفي النبات وفي الظواهر الطبيعية كالكهرباء والمغناطيس، وتجده في الكرة الأرضية نفسها، فأحد قطبيها سالب والآخر موجب، وتجده في أدق دقائق الخلق وألطف وحداته، وهي الذرة. وسُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (٣٦)} [يس: ٣٦]
ومن طبيعة الأزواج في كل هذا الخلق أن تتجاذب. فالذكر والأنثى في النوع الواحد يتجاذبان حتمًا حسب ما بَنىَ الله عليه طبيعة كل منهما وحسب ما هدى إليه من فطرة، وسبحان الذي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه: ٥٠]
فميل الرجل للمرأة وميل المرأة للرجل إذن هو جزء من قانون عام اقتضته حكمة الله سبحانه، لا سببل إلى تجنبه أو إنكاره. وليس من المطلوب ولا هو مما يُرغَب فيه وُيسْعَى إليه أن يخفَّف هذا الميل أو يُعمَل على إضعاف حِدَّته.
ثم إن إطلاق الأمر في تجاور الرجل والمرأة واختلاطهما لا يخلو من أحد أمرين: فهو إما أن يؤدي إلى إثارة الشهوة في الجنسين وزيادة حدتها، أو يؤدي إلي إضعافها وكسر حدتها. فإِذا كان الاختلاط مؤدياً إلى تجاذب الذكر والأنثى على ما رُكِّب في طبيعة كل منهما ولم تكن هناك حدود لهذا الاختلاط أو نظام مرسوم تحوَّل الأمر إلى فوضى لا ضابط لها. وعند ذلك يشيع الأذى بين الناس بشيوع الأمراض التي قدَّر الله سبحانه أن يَضرِب بها الذين يقارفون الفاحشة من الزناة، ويفسد المجتمع ويضطرب نظامه ويتمزق شمل جماعته ويموج بعض الناس في بعض، بتكاثر الأحقاد والضغائن بين الآباء الذين أوذوا في بناتهم، والأزواج الذين أوذوا في نسائهم، والأولاد الذين أوذوا