للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في أمهاتهم، وبين المتنازعين والمتنازعات والمتنافسين والمتنافسات على العشيق الواحد والعشيقة الواحدة. وذلك كله مما لا خير فيه، ومما لا تسعى إليه جماعة من الناس تنشد الوحدة والطمأنينة والسلام، وتتجنب السبل التي تظن أنها لا تؤدي إليهما. ذلك هو أحد الفرضين.

أما الفرض الآخر فهو أن التجاور بين الرجال والنساء وكثرة اللقاء بينهم وبينهن أفراداً وجماعات موجِبٌ لِإضعاف التجاذب بِخُفُوت صوت الشهوة الجنسية وإضعاف حِدَّتها أو تحويلها عن وجهها وأسلوبها، على ما يزعمه الزاعمون من بعض الباحثين في الدراسات النفسية، الداعين إلى تهذيب الغريزة الجنسية أو التنفيس عنها، ومعنى هذا أن يجد كل من الذكور والإِناث لذتهم في مجرد الاستمتاع بالحديث والنظر، وأن طول التجاور والتقارب يولِّد في نفوسهم ونفوسهن شيئاً من الإِلف لا تثور معه الرغبة في استمتاع جسد كلٍّ منهم بجسد الجنس الآخر عند رؤيته، بل مع قربه منه وملاصقته له. وذلك كله أمر معقول ومحسوس يؤيده المنطق والتجربة, لأن إلْفَ النفس للشيء وتكرار اعتيادها إياه يُضعِف أثره فيها، فالذي يطيل المكث في مكان عفن نتن يفقد الإِحساس بعفنه ونتنه على مر الزمان، والذي يُدْمِن ثم رائحة زكية يفقد الِإحساس بطيبها بعد وقت قصير أو طويل، والذي يتعود لمس الأجسام الساخنة أو الشديدة البرودة يفقد الإِحساس بحرارتها أو ببرودتها مما لا يطيقه غيره من الذين لم يُدمنوا ممارسة ذلك. وكذلك الشأن في الرجال والنساء. فالذين يسكنون المدن من الرجال لا يثير غرائَزهم الجنسية رؤية أذرع النساء وسوقهن وصدورهن، بل إن بعضهم لا يثيره رؤية الجسد عارياً معروضاً في أكثر الأوضاع إغراء على شواطىء البحر في الصيف أو في مراسم الرسامين من هواة رسم الأجساد البشرية العارية. وفي هؤلاء الرجال من كان يعيش في الريف من قبل، وكان يثير شهوتَه مجردُ الاستماع إلى صوت المرأة أو مجردُ النظر إلى وجهها أو يدها أو رجلها، فضلاً عن مجالستها أو مصافحتها. ذلك أمر صحيح تثبته التجربة ويؤكده الواقع، والذي يذهب إليه دعاة تهذيب الشهوة صحيح من بعض نواحيه، وإن كان كثيرٌ من الشهوات الجامحة الجارفة يستعصي على الترويض وينطلق إلى الفتك

<<  <   >  >>