للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والافتراس ويُفِلت زمامه من المروِّضين. وأغلب الظن أن إدمان الخضوع للتجربة على تعاقب الأيام قد ينتهي إلى ما يريده المروِّضون من دعاة التهذيب. ولكن أي شيء يمكن أن يُسمَى هذا الذي يسعون إليه ويبذلون الجهود لتحقيقه؟ أليس هذا هو البرود الجنسي عينُه؟ أذا رأى الرجل المرأة فلم يُثر فيه هذا اللقاء ما يثور عادة في الرجال عند رؤية النساء، وإذا رآها بعد ذلك عارية الأذرع والسوق والصدور والظهور، بارزة النهود والأوراك، فكان قصارى ما يلتذ به هو الحديث والنظر، ولم يستتبع هذا الحديث والنظر أي اندفاع أو رغبة في ممارسة الصلة الجسدية، وإذا تشابكت الأذرع بالأذرع والتفَّت السوق بالسوق ولامست الأجسادُ الأجسادَ صدراً لصدر وبطناً لبطن ثم لم يطرأ على الرجل أي تغيير جنسي جسدي، وكان قصارى ما يستتبعه ذلك كله هو أن تسري في جسده نشوة لا تدفع به إلى الحالة الإِيجابية العضوية، أليس يكون قد بلغ عند ذلك ما يسمى بالبرود الجنسي؟ وهو عند ذلك برود مزدوج يشمل الطرفين كليهما: الرجل والمرأة, ثم، أليس البرود الجنسي مرضاً يسعى المصابون به إلى الأطباء، يلتمسون عندهم البُرْءَ والشفاء من أعراضه؟ فكيف إذن نجعل هذا المرض غاية من الغايات نسعى إليها باسم التنفيس عن الكَبْت أو تهذيب الغريزة الجنسية؟ وكيف يكون الحال لو تصورنا هذا الناموس - ناموس تجاذب الذكور والإِناث - وقد "تهذب" في سائر خلق الله، فبطل تجاذب السالب للموجب، أو فَترَ، فأصبح من غير المؤكد أن يترتب على التقائهما التَّوْقُ الشديد والميل العنيف الذي لا يقاوم إلى الاندماج الكامل؟ أليس يفسد الكون كله؟

{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١)} [المؤمنون: ٧١]

ثم إن هذا البرود الجنسي متفاوت الدرجات، يختلف قوة وضعفاً باختلاف درجات المجتمعات في الأخذ بمبدأ المجتمع المختلط ورفع الحواجز بين الذكران والإِناث، ولكنه - في غير الحالات المَرَضِيّة الشديدة التي تُعرِّض النوعَ البشري للفناء بانقطاع النسل - يستتبع نتيجتين خطرتين: ضعفَ النسل

<<  <   >  >>