وتزجية الفراغ. ومن الثابت المؤكد أنهم بذلوا جهوداً شاقة لتحويل المسلمين عن إسلامهم إلى ثقافة الغرب، وجرهم إلى هذا التيه من الآراء المختلطة المتناقضة باسم العلم وحرية التفكير. ومجهوداتهم في هذا السبيل مشهورة معروفة في شمال افريقيا وفي الهند وفي كل مكان حلّوه - ولا أستثني من ذلك مصر، وذلك هو ما يسميه كتابهم بالـ (Westernization). ولا يزال ماثلاً في الأذهان، أن من أول ما اشترطته فرنسا لإِعادة علاقاتها مع مصر في المفاوضات الدائرة الآن إعادة مدارسها ومعاهدها. فهل يفهم الناس معنى ذلك؟ إذا لم يفهموه فها هو ذا نص واضح لا يحتاج إلى تأويل، هو ترجمة لما جاء في تقرير اللورد كرومر واضِع أسس الاستعباد الإِنجليزي في مصر، بمناسبة تعيين سعد باشا زغلول وزيراً للمعارف سنة ١٩٠٦.
يقول كرومر، بعد كلام طويل عن الوطنية - المصرية وصف في ختامه المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها سعد زغلول، والتي سمَّاها على سبيل الاختصار. مدرسة الشيخ مُحَمَّدْ عبده، بأن برنامجها يقوم على (التعاون مع الأوروبيين - لا على معارضتهم - في إدخال المدنية الأوروبية إلى بلادهم)، ونصح بأن يُمنحوا كل تشجيع ممكن. يقول كرومر بعد ذلك: إن اختيار سعد زغلول لمنصب وزير المعارف ليس إلا تنفيذاً لسياسة ترمي إلى تأييد هذه المدرسة، ووضع مقاليد السلطة في يدها. ثم يقول عقب ذلك ما نصه: (وسوف نراقب ما تتمخض عنه هذه التجربة من آثار في عنايةٍ وانتباه. فإِذا نجحت التجربة، وذلك ما آمله وما أعتقده، فسوف نمنح قدراً أكبر من التشجيع للسير في الاتجاه نفسه إلى مدى أبعد. أما إذا فشلت التجربة، فستكون النتيجة الحتمية لذلك هي الاعتماد في شؤون الإِصلاح على الأوربيين - وعلى الإِنجليز خاصة - إلى مدى أكبر مما جرى عليه العمل سابقاً. وأيةً ما كانت الحال فلن يكون هناك سبيل إلى التراجع. إن العمل يسير بجد ونشاط في إدخال المدنية الغربية إلى مصر، وهو يأخذ طريقه بتقدم ونجاح في كل إدارة من إدارات البلد، حسب خطة مرسومة وضعت خطوطها بعد دراسة للموقف. تقوم على التطور والتدرج، لا على الانقلاب العنيف والتغيير المفاجىء - الفقرة الثالثة من تقرير سنة ١٩٠٦ ص ٨ من النسخة