للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أجيب عن هذا بأنه يحتمل أن يكون بعثه قبل يوم الجمعة فتأخر للجمعة. وقد اضطرب المذهب عندنا فيمن كان بعيد الدار حتى يفتقر إلى أن يسعى (١) قبل الزوال بالساعتين والثلاث. فلأصحابنا فيه جوابان: أحدهما أن الفرض لا يتعين إلا بالزوال فيجوز لهذا السفر قبل ذلك. والآخر أن الفرض يتعلق بتقدير الوصول عند الزوال فعلى هذا يمنع هذا من السفر عند وقت تعين السعي. وقد قدمنا أن أصحاب الشافعي احتجوا في منع السفر على الإطلاق بأنه قد يجب السعي قبل الزو الذي حق بعض الأشخاص وهو البعيد الدار. وهذا الاضطراب الذي حكيناه عن أصحابنا لا يتصور في إيجاب السعي عليه لأن شروط الجمعة قد كملت فيه. وإنما تصور عندي فيما صوروه لأجل ما قد يقع فيه من الإشكال.

وذلك أن السفر إنما منع بعد الزوال لأنه وقت وجوب الصلاة في حق كل واحد وإن كان قبل الزوال بالساعتين والثلاث فليس بوقت لوجوب الصلاة في حق آخر. لكن هذا تعين عليه السعي إلى الصلاة وذلك عبادة ثانية غير الصلاة، فهل يُعلق حكم السفر على حكم ما ينفرد هذا به من الوجوب، أو يعلق بالوجوب العام لسائر الأشخاص؟ والأظهر أن هذه الساعات التي قبل الزوال تكون في حقَ هذا كما بعد الزو الذي حق جميع الناس، لأن أحكام الصلاة يعتبر فيها صفات كل إنسان في نفسه وأحواله المختصة به لا الصفات التي تعم الجميع، إلا فيما ورد الشرع في مراعاة صفة الجميع فيه. وقد كنا قدمنا الإشارة إلى هذه المسألة فإذا أبحنا السفر قبل الزوال فسافر، فسمع النداء وبينه وبين موضع الجمعة من المسافة ما يلزم السعي منه إلى الجمعة على حسب ما قدمناه في اعتبار الثلاثة الأميال، فالظاهر من المذهب أنه يجب عليه الرجوع لأنه قد نودي للصلاة وهو

من أهل الجمعة وبموضع يلزم منه إتيان الجمعة.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: أما السفر إذا سمع النداء فلا شك في منعه لقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (٢). وهذا يعين وجوب السعي للذكر لا لغيره. وأما السفر بعد الزوال قبل


(١) المشي -قل-.
(٢) سورة الجمعة، الآية: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>