لأن النفقة تجب للعبد بحق الملك ثم الملك يزول بالموت. ومع هذا لم تزل عن السيد المطالبة بالكفن.
وأما من يلزم الإنفاق من الأقارب كالولد والأب فاختلف المذهب في تكفينهم هل يتْبع وجوب الانفاق عليهم أو لا؟ فقيل ذلك تابع للانفاق. وإلى هذا ذهب ابن الماجشون. وإليه نحا ابن القاسم. وقيل لا يتبع ذلك الانفاق. وقال أصبغ لا يلزمه ذلك إلا في عبيده. وصوّب ابن حبيب القول الأول. واعتل بأنه كما لا ينقطع حقه بموته من ماله في كفن نفسه، فكذلك في حق من تلزمه نفقته إذا ماتوا. وقال سحنون لا يلزم التكفين إلا في عبيده وإن كانوا كُفارًا. هذا في القياس. وأما في الاستحسان فيلزمه في الولد الصغار وللبنات الأبكار، وأما الزوجة والأبوان فلا.
وجميع ما قدمناه في الكفن بحكم الإنفاق في محل الدفن حتى يوارى كحكمه.
والجواب عن السؤال الخامس: أن يقال: ذكر ابن حبيب في الواضحة ونحوه لأشهب في المجموعة أن الميت عند فراغ غسده ينشّف بدنه في ثوب وعورته مستورة. وقد أجمرت ثيابه قبل ذلك وترًا. فإن أجمرت شفعًا فلا حرج (١) ثم يبسط الثوب الأعلى. فقال أشهب اللفافة التي هي أوسع أكفانه ثم الأوسع فالأوسع من باقيها. قال ابن حبيب فيُذرّ على الأول من الحنوط ثم على الذي يليه. هكذا إلى أن يلي جسده فيُذّر عليه أيضًا. قال أشهب وإن جعل الحنوط في لحيته ورأسه والكافور فواسع. قال ابن حبيب ثم يجعل الكافور على مساجده من وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه ويجعل منه في عينيه وفي فمه وأذنيه ومرفقيه وإبطيه ورفغيه. وعلى القطن الذي يجعل بين فخذيه لئلا يسيل منه شيء ويشد بخرقة إلى حجزة مئزره. وهذا الذي قاله ابن حبيب من جعل الكافور على مساجده لعله خصها بذلك إكرامًا لها لما كانت هي الأعضاء المتقرب بها إلى الله سبحانه. فمواضع الحنوط خمسة على ظاهر جسد الميت، وفيما بين أكفانه لا فوق كفنه وعلى مساجده السبع الجبهة والأنف والركبتين وأطراف أصابع الرجلين ذكره في شرح ابن مزين. وفي منافذ الوجه التسعة العينين والأذنين والفم والمنخرين وفي المغابن وفي الأرفاغ وهو كل موضع