فأما إن ثبتت دعوى تلف (الفسخ إلا)(١) بقول البائع: إنه تلف، فإن المنصوص من ابن القاسم في المستخرجة أنه يكلف إحضار قمح مثل ما تحريناه في المبيع، ويكال للمشتري. ومقتضى ما ذكره في هذا الأصل في كتاب السلم من المدونة أن يحلف على إتلافه من قبل الله سبحانه، وينفسخ البيع. فوجه تكليف غرامة مثله لتطرق التهمة إليه في أنه قدم على عقد البيع فيه فأخفاه، وادعى ضياعه، لينفسخ البيع وهو مضمون في الأصل عليه، فلم يسقط الضمان بدعوى أمر يتهم فيه. ووجه فسخ البيع إذا حلف أن ما ادعاه من الضياع لو ثبت لانفسخ البيع ودعواه لذلك ممكن صدقه فيها، ولا دليل يثبت هذه التهمة التي أشار إليها للآخرين، فلم يلزم بيع شيء لم يبعه بإمكان كونه كاذبًا في خبره. فذكرنا أيضًا حكم تلف هذا القمح المبيع على الكيل من قبل البائع وأوجبنا عليه غرامته. فلو كان باعه لم يجز لربه أن يجيز بيعه ويأخذ الثمن، لأنه يكون بيعًا للطعام قبل قبضه. وكذلك لو أكله لم يكن له أخذ عوض عليه سوى مثله؛ لأنه لو أُبيح له ذلك لكان بائعًا للطعام قبل قبضه، وذلك ممنوع.
هذا حكم الطعام إذا بيع على الكيل.
وأما إذا بيع جزافًا فإنه إن مكّن بائعه مشتريه من هذا الطعام سقط الضمان على البائع، وانتقل إلى المشتري، فيكون التعدي عليه تعديًا على مال المشتري، فيطلب بالقيمة من أتلفه، بائعًا كان أو أجنبيا. وإن احتبسه البائع بالثمن فإن ذلك جار على اختلاف قول مالك في المحتبسة بالثمن، هل يبقى الضمان على البائع لأنه لم يمكّن للمشتري من المبيع، أو لا يبقى عليه ويكون احتباسه كارتهان المشتري له؟ فإن قلنا: إن ضمانه من مشتريه، كان الحكم فيه ما قدمناه من الحكم فيه لو مكن بائعه مشتريه منه، سوى أن يكون التلف من جهة البائع وتعديه، فإنه قال ابن القاسم ها هنا: إن لمشتريه أن يفسخ البيع عن نفسه لما كان المنع من هذا البيع من جهة البائع، وله أن يطالبه بالقيمة. وذكر