للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو كان هذا الأجنبي المتلف لهذه الصبرة معسِرًا لكان من حق المشتري أن يفسخ العقد، ولا يلزمه انتظار يسر هذا المتلف، بل يكون هذا مما له الخيار فيه إن شاء صبر، وإن شاء فسخ، كعيب يجده المشتري، إن شاء رضي وإن شاء فسخ العقد. ولو تطوع ها هنا البائع بأن يشتري طعامًا بالقيمة لارتفاع (١) خيار المشتري في هذا لارْتفاع الضرر به، لوجود المبيع يقبضه في الحال. وذكر ابن المواز عن أشهب أن هذا المتلف إذا أغرمناه القيمة انفسخ عقد المشتري، إلا أن يقر هذا المتلفُ بمكيله لكونه قد علم مقدار ما أتلف، فإن بائع الصبرة بالخيار إن شاء كذبه وأخذ منه القيمة، وإن شاء صدقه وأخذ منه المكيلة بعد أن يستحلفه عليها. ثم يكون للمشتري الخيار في أخذ المكيلة أو المطالبة بالقيمة وبأن يشتري له بها طعامًا، أو يفسخ البيع عنه.

وما ذكرناه عن أشهب من وجوب انفساخ البيع إذا ألزمنا المتلف القيمة فإنما ذلك لِما تقدمت الإشارة إليه من كون إلزامنا متلف ما عُلِمت مكيلته على المكيلة يقدر فيه أن المكيلة التي وقع التبايع فيها كأنها لم تتلف. وإذا ألزمناه القيمة فلا شك أن القيمة ليست مثل المكيلة المبيعة وإذا لم تكن مثلها فقد تلف المبيع ولم يحضر ما يسد مسدّه، فوجب فسخ العقد هنا مع كون البائع إذا ألزمناه الشراء بالقيمة وحَلِفه ذلك (٢)، ألحقنا به ضررًا لم يلزمه في عقد البيع، فيمنع من تكلف الشراء بالقيمة لما عليه في ذلك من مشقة، فكان له فسخ البيع لأجل هذه المشقة. كما قيل فيمن اشترى طعامًا واطلع على عيب بعد أن أتلفه: إن شاء أخذ القيمة فيه للعيب، لأجل ما يتكلفه من المشقة في شراء الطعام المعيب، وإن شاء يكلفه شراءه ورد مثله. وكأن ابن القاسم يرى أن الضرر بالمشتري في فسخ عقده أشد من الضرر في إلزام البائع تكلف الشراء، فكان من حقه المطالبة بتمام العقد. وقد ذكرنا اختلاف أقسام هذه الأحكام وذلك (إذا ثبت كل قسم) (٢).


(١) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: لارتفع.
(٢) هكذا في جميع النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>