للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالكًا سئل عن هذا فقال: أَحَالُّ هو؟ قيل: نعم. فأجازه. فكأنه أشار إلى أن الاكتفاء بذكر المسافة عن الأجل إذا عقد البيع على الحلول، وهذا لا يحسن الخلاف فيه؛ لأنه لو عقد على التأخير المجهول لم يصح، وإنما يصح إذا عقد على أنه يبتدىء في الخروج إلى البلد بفور العقد. وقد قال فضل بن سلمة في العروض أنها مثل الدنانير، لا بد من ذكر الأجل فيها وأن يكتفي بذكر البلد.

ولعله قدّر أن تعجيله للخروج لا يقتضيه القضاء (١) ولا العادة، فالمسافة حينئذ لا تغني عن ذكر الأجل، بل يكون الاقتصار عليها يتضمن غررًا وجهالة في الثمن، إذ لا يدري متى يختار المشتري الخروج.

وقد ذكر ابن أبي زمنين أن الاقتصار على المسافة إنما يصح إذا كان السفر إلى البلد المشترط القضاء به في البرّ، وأما إن كان في البحر لا يصح ذلك فيه، ولا ترتفع الجهالة بذكر المسافة، إذ هو بحكم الريح، ولا يدري المدة التي يصل فيها.

وإذا تقرر عندك أن النكتة التي تدور عليها هذه المسائل اعتبار العوائد في الشروط فإنه قد يتّفق الدنانير والدراهم أغراض في البلد المشترط، فيجب حينئذ الاقتصار عليه كالعروض. وهذه الأغراض ذكرها على الجملة أَوْلى من تفاصيلها؛ لأنها قد تنضبط البواعث على هذه الأغراض. وإذا وجب الاقتصار على البلد المشترط فحالَ دونه مخالف، وانقطعت سبله، فإن هذا قد يجري على ما قدمناه لك فيمن أسلم في ثمرة فانقطع إبّانها هل له الفسخ أم لا؟ ولو ثبت الدّين في الذمة، وحل أجله، وتعين مكانه، فبذله من هو عليه، فقال الطالب: لا آخذ، لأني إن أخذته أخذ مني بالبلد العالية (٢). وقال من هو عليه: وأنا أتخوّف أيضًا إن أخذته (٣) أن تأخذه منّي يدٌ عادية. فإن هذا حق من هو عليه أن يبرأ منه، ولا يلزمه صيانة مال مسلم بإتلاف ذلك المال من مال نفسه. لكن


(١) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: اللفظ.
(٢) هكذا، ولعل الصواب: العادية.
(٣) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب إن لم تأخذه.

<<  <  ج: ص:  >  >>