وقلنا بها ولم نقل بتخصيص عموم القرآن بأخبار الآحاد، فإن هذا الحديث لا حجة لنا فيه، وإن قلنا بقبول المراسيل وتخصيص عموم القرآن بأخبار الآحاد كان في هذا الحديث حجة على أبي حنيفة. وقد احتج الشافعي فقال: أنا مالك عن زيد بن أسلم، وساق الحديث. وقد اعترض عليه بأنه لا يقول بالمراسيل، واعتذر عنه بأن الصدّيق رضي الله عنه منع من بيع اللحم بالحيوان. وقال الشافعي: لم يختلف حينئذ. وأشار (إلى بقوله)(١) بما روي عن الصديق، وعلى أن الذي روي عن الصديق قدح في التعلق به أيضًا، لأن المروي عنه، رضي الله عنه، أنه قسم جزورًا عشرة أجزاء، فأتى رجل بشاة، فقال: يباع مني جزء بهذه فقال الصديق: لا يصلح ذلك. فقيل: يمكن أن يكون هذا الجزور من إبل الصدقة، وقسمها قسمة الصدقة، والصدقة لا يحل بيعها، فلهذا قال: لا يصلح ذلك. وهذا وإن قيل: إن الظاهر غيره، فإنه تأويل ممكن. واعتذر عن الشافعي أيضًا (بأنه رأى أن طرق الاعتبار تمنع من هذا بقوي المراسيل عندَهُ فلهذا قبله)(١).
وقيل أيضًا: إنما احتج بهذا في الزمن الذي يقول فيه بقبول مراسيل سعيد بن المسيب. وأما أصحابنا وأصحابه ما في التعلق بالحديث المرسل من الاختلاف، ذكروا أيضًا أن الحديث من طريق آخر. فقال: إن ابن المسيب رواه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر أيضًا في بعض الطرق أن مالكًا رواه عن سهل بن سعد الساعدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولكن قال بعض المتأخرين: لا أعلمه متصلًا من طريق ثابت. واستنكروا ما روي من طريق مالك عن سهل بن سعد الساعدي. فإن ثبت هذا الاتصال عوِّل عليه، وإن لم يثبت فقد ذكرنا وجه التعلق برواية مالك في الموطأ على مذهب الأصوليين.
والجواب عن السؤال الثالث أن يقال:
ذكر ابن القاسم معنى الحديث الوارد في هذا، وعلته المزابنة. ولكنه لم يطرد هذا التعليل فيجيز بيع اللحم بالحيوان إذا تبيّن الفضْل، كما ذكر بعض الأشياخ أن مَن علّل بالمزابنة يقتضي تعليلُه جواز بيع اللحم بالحيوان إذا تبين
(١) ما بين القوسين كلام غير واضح وفي معظم ما ورد في هذا الجواب غموض واضطرابٌ.