المعروف من المذهب. لكن البغداديين يخالفون في هذا، على ما حكيناه عنهنم، ويرون المزابنة إنما تتصور في كسير أو شارفٍ شارفَ الموت، يقصرون النهي على ذلك، ويجوّزون بيع ما تطول حياته، ويقتنى للمنفعة باللحم من جنسه. وقد ذكرنا ما وقع في المذهب من هذا بما يغني عن إعادته.
والمنفعة المعتبرة ها هنا ما جرت العادة باقتناء ذلك الجنس من الحيوان لأجله، فالشاة والناقة والبقرة يدّخرون للدَّر والنسل، وهي منفعة مقصودة عند الجمهور في هذا الجنس من الحيوان. وأما الاقتناء من النسل كالكبش يقتنى لفحله فإن ذلك مقصود أيضًا، وهي المطلوبة في هذا الجنس، وأما لو كان كبشًا خصيًا، ولا يقتنى لصوفه، فإنه خارج عن هذا النوع الذي ذكرنا. وأما إن اقتني لصوفه فبعض الأشياخ أن ظاهر المذهب على قولين هل مجرد الاقتناء للصوف، ونماؤه لا يكون إلا مع الحياة، فلما اختص هذا بالحياة وكانت الحياة شرطًا فيه وجب أن يلحق ما يقتنى لأجل هذا بالحيوان المدخر للمنفعة المقصودة منه.
وأما لو كان تيسًا خصيًّا فإنه يخرج عن هذا النوع. لكن بعض الأشياخ رأى أنه قد يقتنى لشعره ولجلده، وهذه منافع مقصودة في مثله، فألحق بهذا النوع.
وأمّا ما يقتنى للحم والسمن فظاهر المذهب أيضًا أنه على قولين، وجه ذلك ما أشرنا إليه في كون مثل هذه المنفعة مقصودة في هذا الجنس أو غير مقصودة.
وأمّا ما طالت حياته ولا منفعة فيه ففيه قولان: هل يلحق بها التفاتًا للمنفعة، أو لا يلحق بها لأجل كونه لا يدخر ويقتنى لمنفعته. وأما ما كانت حياته لا تطول ولا منفعة فيه فإن الأكثر من المذهب على إخراجه عن هذا النوع. لكن أشهب ألحقه بهذا النوع الذي يقتنى للمنفعة، ورآه مما يشتمل عليه عموم النهي عن بيع اللحم بالحيوان، فلم يكن لإخراجه عن جملة الحيوان وجه. وأما ابن القاسم فإنه أخذ لهذا النوع بالاحتياط، فجعل ما لا تطول حياته، ولا يدخر لمنفعة فيه، حكمه كحكم اللحم، فيمنع من بيعه بطعام (١) ويمنع من بيعه بحيوان يقتنى للمنفعة. وإذا كان غرضه اللحم اعتبر فيه مذهب أشهب، وألحقه بجملة.