للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للقوت، فالأربع المذكورة تشترك في كونها مأكولة ومكيلة ومدخرة ومقتاتة فكونها مكيلة لا يصلح أن يكون علة، للكيل (١) فيها واقع على وجه واحد لا يختلف، فلم يكن للتعديد والاقتصار على أربع فائدة، مع أن الكيل والوزن فإن (٢) أريد به ما يصلح أن يكال ويوزن ويمكن ذلك فيه، فقد يمكن الوزن فيما لا ربا فيه كالثياب، وإن أريد به ما جرى فيه الكيل والوزن في معيار الشرع، فقد توجد مكيلات وموزونات لم يكن لها وجود في عصر الصحابة، فإن أريد المعيار المتعارف فأهل البلاد يختلفون في الاصطلاح على معيار، فقدم يكتالون الشيء وقوم يزنونه وقوم يعدّونه وقوم يجازفون فيه. وهذا يؤدي إلى اختلاف الربا باختلاف أهل البلاد. فلا ينتقض هذا بأن القول يختلف أيضًا باختلاف أهل البلاد، لأن ما يحفظ حياة الناس يحفظها في كل مكان، لكنه في بعض الأمكنة ربما عزّ وجوده فلم يجدوه قوتا، ولكنه في نفسه مهيأ لكونه قوتا، فإذا بطل التعليل بالكيل، والتعليل بالطعم، لأن المقصود منه على الأكثر كونه حافظًا للحياة أو متممًا لما يحفظها أو هو مالكها (٣)، وبطل التعليل بمجرد الادخار، لأن الادخار إنما الغرض منه في أكثر القوت، وقد رفق الله سبحانه بعباده فجعل أقواتهم مما يبقى حتى يدخروها لوقت الحاجة إليها، فصار الحاصل من نقد هذه الأوصاف اعتبار القوت والغرض المقصود في أكثر في الأطعمة المخلوقة للإنسان وقد سلك بعض أصحاب الشافعي قريبًا من هذا المسلك، فقال (قدحا من الأربعة يمنع الدين) (٣) فيما تجانس وإباحته فيما اختلف، وما ذلك إلا لكون المتجانس الغرض فيه واحد، وإذا كان مطلوب الشرع إيجاد الغرض، طلبنا نحن الكشف عن الغرض ما هو؟ فوجدناه للطعم لأن المطعومات ما خلقت لتكال أو توزن، لكن لتؤكل، فنقول نحن: بل لتكون قوتا حافظًا لحياة، على حسبما بسطناه.


(١) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: لأن الكيل.
(٢) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: إن.
(٣) هكذا في جميع النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>