للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السعة من الإباحة والإطلاق، لأن أصل البياعات إنما شرعت لأجل الحاجة إليها، فكلما كانت الحاجة إليها أمسّ كان أحق بإطلاق الإباحة واجتناب التقييد، وبيع الشيء بجنسه يشعر أن ذلك الجنس يحتاج إليه المتعاوضان، ولهذا لم يعدل أحد ما عن جنس ما في يديه، بخلاف المعاوضة بجنسين مختلفين، فإن ذلك يشعر باستغناء كل واحد منهما عن الجنس الذي باعه. وإذا وضح مسيس الحاجة إلى الجنس الواحد وجب أن توسع الإباحة فيه، خلاف ما أشار إليه أصحاب الشافعي من كونه يجب أن يختص لأجل شرفه بنصين (١) في الإباحة.

ويجاب عن هذا بأن مسيس الحاجة إليه تقتضي المنع من بذله وامتهانه بمعاوضة وجنسه (٢) على صاحبه لأجل حاجته إليه، فضيق عليه طرق الإباحة في العقود ليحفظ عليه، ويصان له. وإذا كان نظر التعليل اعتبار الشرف، على حسب ما بيناه، كان الطعم والقوت مجرد علة، ويكون اشتراط الجنس، الذي اتفق الجميع من فقهاء الأمصار، شرطًا أو محلًا، لأجل أنه لا يظهر في اشتراطه معنى مؤثر على حسب ما أظهرناه في اعتبار الطعم والقوت.

وقد ذكرنا عن أصحابنا المالكية عبارات مختلفة في التعليل، فمن لم يقتصر منهم على ذكر القوت خاصة قال: إن القوت يفتقر إلى متهمم وهو الأدُم والدهون وهو (٣) الملح، وإن كمل (٤) الشيء المتمم له والمقوم له والمصلح يكون كبعض أجزائه، فلهذا عددوًا مع القوت ما ذكرنا من تلك العبارات.

ويرون أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذكر البرّ لأنه يقتات في حال الاختيار والسعة. فقد نظّر الشارع القوت الاختياري فذكر الشعير لأنه قوت في حال الاضطرار، ثم ذكر التمر لأنه وإن كان مما يتفكه به ففيه معنى القوت، ثم ذكر الملح لأنه مصلح


(١) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: بنصّ.
(٢) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: حبسه.
(٣) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب خذف: هو.
(٤) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: والمكمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>