مكيلة من البر مكيلة من البرّ وإذا كانت المقابلة إنما تعتبر بالقيمة، والشرع لم يطالب بالتقويم والمقابلة، لأنه أمر خارج عن الذاتين بالتعاوض (١) بهما، فلهذا صح العقد مع المفاضلة والزيادة في العددية، وفي الجنسين المختلفين.
وهاهنا أيضًا طريق في الاعتبار يتجاذبها المختلفون في هذا التعليل، وهي أن الشافعية تقول: الإنسان شريف في نفسه، له في الوجود مزية على غيره، فما حفظه وقامت حياته به وجب أن يكون شريفًا وله مزية على غيره فالمطعومات بها قوامه فيجب أن لا يمتهن ويبتذل بلا بيعٍ ولا إباحةٍ له على الإطلاق، كما يكون الأمر في غيرها من الأموال التي لا شرف لها. ولا يحسن أيضًا أن يحظر بيعها، فيكون في ذلك حرج وإضرار بالناس، فخصت باعتبار شروط لم تعتبر في غيرها حتى تكون لها مزية على غيرها في تضييق العقد عليها، فمنع فيها المفاضلة والنساء، كما اشترط في النكاح الصداق والولي لشرفه على غيره من المتملكات، لأجل ما فيه من تحصين الإنساب.
وهذا للمالكية أن يقول أيضًا فيه. حفظ حياة الإنسان بالأقوات لا يساوي المطعومات، فيجب أن يختص هذا الشرف وهذه المزية بالأقوات خاصة دون غيرها من الأطعمة.
وأصحاب الشافعي لا يمكنهم مدافعتهم عن هذا بالمناكرة لكنهم يدفعونهم عن هذا بنصه عليه السلام على الملح، والملح ليس بقوت ولكنه مطعوم، فلهذا لم يخص الشرف على المطعومات التي هي أقوات، بل يخص به سائر المطعومات عمومًا، لأجل التنبيه بذكر الملح على الطعام على القوت.
والمالكية تجيب عن هذا بأن الملح وإن لم يكن قوتًا فإنه يصلح القوت، فلا يستطاب اللحم والخبر. وغيرهما من الأقوات إلا إذا أصلح به، فكأنه مقوّم للقوت، والمقوم للشيء يعدّ من جملته.
وأصحاب أبي حنيفة يدافعون هذه الطريقة بأن الحاجة إلى القوت تقتضي